Monday, 2 January 2017

سبأ





هذه المقالة هي جزء من سلسلة اليمن القديم
مملكة سبأ في اليمن

ماذا عن قصر بلقيس؟
تمثال عثر عليه في قرية الفاو عاصمة مملكة كندة والقرص على الرأس هي إشارة للشمس والوعل الصغير تعد إشارة رمزية للإله عثتر

المدرجات الجبلية في اليمن، لم تكن من نتاج الطبيعة بل تقنية مقصودة من السبئيين لمساعدتهم على زراعة المرتفعات

لا زال عدد من الصهاريج القديمة يستخدم في أرياف اليمن وهذا أحدها ويعود للقرن الأول قبل الميلاد ويقع في قرية ثلا في محافظة عمران



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مملكة سبأ (1200 ق.م-275 م) 
هي مملكة عربية يمنية قديمة وهناك اختلاف حول مرحلة نشئتها فهي موجودة من القرن الحادي عشر قبل الميلاد على الأقل[1] إلا أنها ظهرت بوضوح في القرن العاشر ـ التاسع قبل الميلاد[2] كانت أقوى الإتحادات القبلية في اليمن القديم ولم يرتبط اسم اليمن بأي مملكة بقدرها. استطاعت المملكة تكوين نظام سياسي وصفه علماء العربية الجنوبية بأنه فيدرالية ضمت مملكة حضرموت ومملكة قتبان ومملكة معين[3] وكل القبائل التابعة لهذه الممالك وأسسوا عددا من المستعمرات قرب فلسطين والعراق كما تشير نصوص آشورية وبعض الوارد في العهد القديم يعطي لمحة عن وجود سبئي قديم في تلك المناطق 
بيد أن الكثير من تاريخ المملكة السياسي غامض ونجح المستشرقين في إعادة كتابة تاريخ هذه المملكة وتنقيته من الخرافة والوضع الذي شابه من الإخباريين بعد الإسلام أو الثقافات الأخرى المرتبطة مثل إثيوبيا. أبحاث واكتشافات أثرية حديثة ساعدت في كتابة تاريخ سبأ الحقيقي ولكن لا زالت معضلة الكرونولوجيا تواجه المختصين بتاريخ هذه المملكة. ثراء سبأ وشعبها يظهر في العديد من الأدبيات الكلاسيكية اليونانية والبيزنطة والعربية والعبرية كذلك وللمملكة أهمية خاصة لدى الشعوب القديمة حول البحر الأبيض المتوسط كونها مصدر القوافل التجارية المحملة بالبخور وغيرها من التوابل العطرية. ذكرت سبأ في ثلاث كتب مقدسة لأتباع الأديان الإبراهيمية وأشهر القصص هي قصة ملكة سبأ وزيارتها لملك بني إسرائيل الأشهر سليمان.
سبأ اسم قبيلة من القبائل القديمة، أما معناها فقد وردت نظريات كثيرة معظمها بطابع قصصي خيالي بلا دليل مادي ولكن أشارت نصوص خط المسند إلى معنى قاتل أو حارب بلفظة سبأ [7] ضمت هذه القبيلة عشائر عديدة إما بالحلف أو القوة، وهي في عرف النسابة وأهل الأخبار جد من الأجداد القدامى التي يعود إليهم أصول كثير من القبائل العربية بل جل القبائل اليمانية تعود بسلسلة نسبها إلى سبأ والأدلة الأثرية بشأن ذلك لم تكتشف بعد فسرد النسابة تأثر بطريقة اليهود في تعقب الأنساب وشبه تأليه الشخصيات القديمة بل كانت التوراة مصدرهم الذي استقوا منه تلك الأسماء بالإضافة لزيادات من عندهم وتعريب لأسماء تبدو في ظاهرها عبرية
وكان السبئيون منذ القرن السابع قبل الميلاد يعبدون القمر والشمس وكوكب الزهرة وفي القرن الرابع قبل الميلاد مع تغير الاسرة الحاكمة اصبح السبئيون يعبدون الصنم تألب ريام احد اجداد الهمدانيين يليه اصنام القبائل الخاصة فلكل قبيلة صنم خاص يعقب الأصنام السبئية الرئيسية كانوا آباءً للقبائل وفق معتقداتهم القديمة [9] بالإضافة لتقديسهم لحيوان (الوعل) أكبر الاوثان والتي اجتمعت ممالك اليمن الأربع وقبائلها على تقديسه [10]، وفي القرن الاول قبل الميلاد بدء السبئيون بالتخلي عن الوثنية وعبادة إله واحد هو رحمن [11] [12] ، و إيل هو الله باللغة العبرية ويظهر في أسماء السبئيون بكثرة مثل وهب إيل وشرح إيل وهي شراحيل وشرحبيل (شرحب إيل) وكربئيل والتي تعني القريب من إيل [13] [14] ويظهر في أسماء الإسرائيليين مثل صامويل وهي صامو إيل وميكائيل وجبرائيل، اشتهرت المملكة بسدودها وأشهرها سد مأرب القديم وسيطرتهم على الطرق التجارية التي أهمها طريق البخور وطريق اللبان ونقلوا نظام كتابتهم القديم المعروف بخط المسند إلى المواقع التي سيطروا عليها في شمال الجزيرة العربية، وشمال إثيوبيا وكان لهم نظام كتابة آخر عرف باسم الزبور 
  تأسيس مملكة سبأ
كان السبئيين/العرب الجنوبيين ينسبون انفسهم الى سبأ قبل الإسلام، في القرنين الاول والثاني الهجري كان السبئيين/العرب الجنوبيين يفضلون اتخاذ لقب "السبئي" ولم يكونوا ينسبون انفسهم لقحطان، ظهرت شخصية قحطان في كتب الروائيين العرب في القرن الثاني الهجري، بالنقوش ظهر "قحط" او "قحطن" كقرية في مملكة كندة ولم تكن قبيلة.
هناك عدة نظريات بشأن أصول السبئيين القديمة، عند الإخباريين والنسابة العرب هم أبناء حمير وكهلان بني سبأ حفيد النبي هود (سبأ عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن يقطان/قحطان بن هود)[17] سبأ كان والد كهلان وحِميَّر وهم القسمان الذين يعود اليهم قسم من العرب عرفوا في الأدبيات بالعرب السبئية أو اليمانية [18] وزعم اهل الأخبار أن عبد شمس أو سبأ قبيل وفاته بعد خمسمئة سنة من الحياة، اوصى حمير بالملك ووزع كهلان خارج بلاد اليمن ليحموا المملكة وسردوا عددا من الأسماء لملوك خرافيين مثل مزيقياء الملطوم ومزيقياء هذا اسمه عامر بن عمرو الأزدي وسمي بإسمه ذاك لأنه كانت تنسج له في كل سنة ثلاث مائة وستون حلة، ثم يأذن للناس في الدخول فإذا أرادوا الخروج استلبت عنه وتمزق قطعاً فسمي على مازعموا ثم خرج مزيقياء هذا من اليمن قبيل انهيار سد مأرب وبقي الملك لبني حِميَّر وعلى هذا تنتهي قصة سبأ عند النسابة وأهل الأخبار.

خريطة لإنتشار سلالة قطورة زوجة إبراهيم وفقا للتوراة ويظهر يقشان بن إبراهيم بجنوب شبه الجزيرة العربية
وهناك الأساطير الإثيوبية وهي أن ملكة سبأ تزوجت من الملك سليمان وانجبت منليك الأول ليكون جد السلالة السليمانية من أباطرة إثيوبيا وفقا لكتاب مجد الملوك الإثيوبي الذي تم تأليفه في القرن الرابع عشر بعد الميلاد. ولليهود روايتهم الخاصة عن سبأ فتخبطوا في ذكر نسبه فزعموا أنه من أبناء الشخصية التوراتية إبراهيم من زوجته قطورة التي تزوجها عقب وفاة سارة. قطورة أنجبت لإبراهيم عددا من الأولاد منهم مدين ويقشان. مدين خلف ديدان ويقشان خلف سبأ. وكلمة يقشان بالعبرية تعني مهاجم أو صعب وشي من هذا القبيل [19] وأمر أبنائهم باستعمار الأرض بعيدا عن ابنه إسحق المُختار [20] وكلمة قِطورة (عبرية:קְטוּרָה) بالعبرية مشتقة من الفعل قطوريث وتعني يبخِّر فمعنى اسمها له علاقة بالبخور [21] وقد كانت سبأ محتكرة لتجارة تلك التوابل. ثم ذكروا في موضع آخر أن شبا شقيق حضرموت وأنهم من أبناء يقطان بن عابر وهذا الادعاء دون غيره هو ماتمسك به النسابة العرب بعد الإسلام. والرواية اليهودية الثالثة أن سبأ من أبناء كوش.
ولكن الدراسات الحديثة عن سبأ تظهر تاريخاً أكثر تفصيلاً، اعتمد العلماء في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين على العهد القديم، والأساطير العربية والإثيوبية لمحاولة تدوين تاريخ متسلسل عن هذه المملكة فيستنبط من العهد القديم وجود ثلاث سبأ بسلسلة أنساب مختلفة واحدة على حدود الهلال الخصيب وأخرى بجنوب الجزيرة العربية وأخرى فيما يعرف بإثيوبيا اليوم. لا يمكن التأكد من أي هذه الادعاءات سواء روايات الإخباريين والنسابة العرب، العهد القديم، والأساطير الإثيوبية ولكن لا يمكن إستبعادها تماماً فهي تحوي لمحات عن تاريخ سبأ.

عابر، الجد المفترض للسبئيين وفقا للتوراة
لا يمكن التسليم بما جاء في العهد القديم كحقائق تاريخية لسبب عدم وقوف العلماء على فترة كتابة هذه القصص فهي لم تُكتب في الفترة المفترض أن شخصيات الإنجيل العبري عاشت فيها [22] [ملاحظة 1] وهو أمر مفروغ منه عند علماء الآثار بالإضافة للطبيعة الأسطورية لهذه الكتابات [23] أما الأسطورة الإثيوبية عن الملكة ماكيدا أو ماجدة وابنها منليك الأول، فهي أسطورة دونت في القرن الرابع عشر بعد الميلاد ـ مايزيد عن ألف ومائتان سنة بعد زوال مملكة سبأ ـ فلا يمكن اعتبار كتاب مجد الملوك مصدراً تاريخياً موثوقاً بأية حال لإنه وجد لتثبيت مزاعم الأسرة الإثيوبية الحاكمة بأنهم من نسل الملك سليمان[24] خصوصا الملك أمدا تسيون ومعنى اسمه دعامة صهيون الذي حكم في الفترة مابين 1314 ـ 1344 للميلاد، فهو أول ملك إثيوبي يأمر بتدوين مآثره فهدف المخترعين ومعيدي كتابة التاريخ الإثيوبي خلال تلك الفترة كان لإيجاد سرد قومي لتاريخ إثيوبيا والإجابة على العديد من التساؤلات حول الهوية الإثيوبية، تساؤلات من قبيل لماذا تتشابه المسيحية في إثيوبيا مع اليهودية وعن سبب ملامحهم الهجينة بين ساميين و أفارقة وليس لوصف حقائق تاريخية بالضرورة[25] لا توجد دلائل أثرية تحكي تاريخ إثيوبيا قبل مملكة أكسوم لتثبت المزاعم الواردة في كتاب مجد الملوك [26] والآثار السبئية الحديثة المكتشفة في اليمن تصرف النظر عن المزاعم الإثيوبية [27][28]
وهناك كتابات الإخباريين والنسابة العرب عن تاريخ سبأ، وقد حصروا ملك سبأ في قسمين من العرب القحطانية هم الأزد وحِميَّر وكلها كتابات ظهرت في عصور متقدمة فقصة الملك المدعو مزيقياء، هي على الأرجح إضافة ومبالغة من قبل الغساسنة لتعظيم جدهم المزعوم واظهار غناه وقدرته [29] لا يوجد دليل أثري واحد أن سبأ كان إسم شخصية وله ولدان كهلان وحمير، فمملكة حِميَّر ظهرت على أواخر القرن الثاني قبل الميلاد ونصوص المسند تظهر أنهم كانوا أقرب لمملكة قتبان من سبأ [30] والملك في سبأ كان بيد عوائل لا ذكر لها في كتابات النسابة وأهل الأخبار مثل قبيلة فيشان ومن نصوص المسند فإن القبيلة الوحيدة التي تمتعت بكرامة الملوك في سبأ وكانت متواجدة في العصور الإسلامية والى العصر الحديث كانت فرعي همدان حاشد وبكيل، وحتى هولاء ظهروا في النصوص السبئية بوقت متأخر وفترة مضطربة من تاريخ سبأ [31]
بناء على الإكتشافات والدراسات الحديثة ولا شيئ غيرها، فهناك سبأ واحدة وهي التي قامت بجنوب شبه الجزيرة العربية وعاصمتها مأرب[32] ولكن الوارد في المصادر الأخرى يعطي لمحات عن تاريخ مملكة سبأ وإن شابته الأسطورة، فسبب ذكر اليهود لثلاث أنساب مختلفة لسبأ يعود إلى سياسة السبئيين التوسعية واقامتهم لمستعمرات تجارية بمواضع متعددة واختلاطهم وتزاوجهم مع السكان الأصليين في تلك المناطق في إثيوبيا وحدود الهلال الخصيب [33] لإن التقسيم اليهودي في كتابهم المقدس للأمم كان تقسيما جغرافياً بالدرجة الأولى. كل المواضع المذكورة شهدت تواجدا بالفعل ولكنه ليس كقوة تواجدهم في اليمن [ملاحظة 2] كتابات اليهود تفيد في إثبات وجود سبئي قرب مناطقهم مما حدا بهم بإضافتهم كأبناء عمومة لهم، وتفيد تلك الكتابات في تكوين لمحة عن طبيعة وجودهم هناك فقد تم ذكرهم كأعراب يغيرون على المساكن والمدن في موضع ولا شك أنهم كانوا في أقصى جنوب فلسطين، وكشعب ثري يتاجر بالذهب والفضة والأحجار الكريمة حتى أن ملكتهم أتت لزيارة ملك اليهود سليمان في موضع آخر[34] في القرن الثامن والسابع قبل الميلاد، أنشأ السبئيون مستعمرة لهم في أكسوم بشمال إثيوبيا ونقلوا معهم دينهم، ونظام كتابتهم وطرازهم المعماري وفنونهم وتصاهروا مع السكان الأصليين في تلك المناطق [35][36][37] وهو السبب الرئيس وراء اشتراك اليمن وإثيوبيا في اسطورة ملكة سبأ، واقتراب ملامح سكان الشمال الإثيوبي من الإثنيات التي توصف بالسامية[38] وقد سيطر السبئيون وأنشئوا عدة مستعمرات على طول الطريق التجارية بمحاذاة البحر الأحمر حتى حدود فلسطين أما كيفية حدوث ذلك وطبيعته ومداه، فلا زالت معارف الباحثين بشأنه ضئيلة ولكن الآثار إلى جانب الكتابات الكلاسيكية تفيد أن الوارد في كتب التراث العربية بشأن قبائل كثيرة تدعي أن لها أصولا في سبأ لم يأت من فراغ وإن كانت نظرياتهم ساذجة وسطحية ومتعلقة بأسطورة انهيار سد مأرب فوجودهم كان جزءا من سياسة توسع سبئية للسيطرة على الطرق التجارية [39][40] فقد ذكر اليونان أن السبئيين كانوا يكونون مستعمرات بداية بعاصمتهم ماريبا (مأرب) حتى العقبة، كانت المسافة قرابة السبعين يوماً وهدف المستعمرات (القبائل) تأمين الطرق وتخفيف مشقة السفر [41]
ويبقى سؤال أصل السبئيين قائماً، كانوا حضارة سامية بلا شك والغالب أن مملكة سبأ لا تتجاوز القرن الثاني عشر ق.م ولكن كان هناك نشاطات يمنية تجارية متطابقة لنفس الأنشطة التي كان يقوم بها التجار السبئيين منذ بداية القرن الثاني عشر تعود إلى القرن الخامس عشر ق.م منها ماورد عن تقديم هدايا من البخور للفرعون المصري تحتمس الثالث والذي كان مسيطرا على سورية حينها [42] وأبحاث قصيرة في عام 2001 كشفت عن وجود حضارة زراعية تعود إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد [43] ومنذ القرن الثاني عشر ق.م كما هو مُعتقد حالياً، وسبأ واحدة من أهم ممالك التجارة في العالم القديم [44] أما ماهية الحضارة الأولى التي انبثقت منها سبأ فلا يزال أمراً غامضا [45] نظرية تعيدهم إلى فلسطين التاريخية مستندة للتشابه اللغوي والتقارب في المعتقدات والممارسات والأسماء الثيوفورية وحقيقة اكتشاف آثار لأعراب سبئيين في تلك المناطق وأن هجراتهم لليمن حدثت تدريجياً خلال نهاية العصر البرونزي وهي نظرية لعلماء المدرسة الألمانية في القرن التاسع عشر [46] ولكن هذا ليس كافياً ليعتبر دليلاً [47]
مصادر التاريخ اليمني القديم بشكل عام هي كتابات خط المسند فهي أوثق المصادر يليها كتابات اليونان وبعض كتابات الممالك الأخرى القديمة المعاصرة لممالك اليمن القديم. كتابات اليونان ينبغي أن تقرأ بحذر فالتبادل التجاري كان مصدر كتاباتهم وهو ماعرضهم لعدد من الأخطاء والخلط واللبس وكان لحملة الرومان المخفقة ضد "العربية السعيدة" أثر بالغ فيهم وعلى سياستهم اتجاه جنوب شبه الجزيرة العربية والتي تحولت إلى دعم مستمر لأي عدو للسبئيين [48] في نفس الوقت، فإن المكتشف من نصوص خط المسند يمثل نسبة ضئيلة للغاية من تاريخ سبأ واليمن بشكل عام، والدراسات قليلة وغير وافية ومعظم النقوش نُسخ من قبل سياح ومستشرقين دخلوا اليمن متنكرين خوفاً على حياتهم ولم تتوفر لهم فرصة لدراسة النصوص والمعابد بشكل دقيق بعيدا عن المنغصات فضلاً أن كل المُكتشف الذي تم دراسته عثر عليه على ظاهر الأرض وماتحتها يتجاوز ذلك بلا شك. فهذه معوقات لا تسمح بتكوين صورة دقيقة ومكتملة عن التطور السياسي للسبئيين وهو مافتح بابا للجدال واختلاف الآراء والتفسيرات حول دلالات المُكتشف من النصوص [49] وهناك اختلاف بين علماء الآثار حول تواريخ الأحداث، الباحث العراقي جواد علي اعتمد على أبحاث علماء المدرسة الألمانية القديمة وهي مدرسة كان لها الفضل في اعادة كتابة تاريخ اليمن القديم، ولكنها كانت تقوم بأبحاثها لإثبات قصص العهد القديم، وألفوا مؤلفات عديدة وطويلة يربطون فيها النصوص المكتشفة بالوارد في الإنجيل العبري ولكن أبحاثاً حديثة قام بها أمثال كينيث كيتشن وكريستيان روبن وألفريد فيليكس لندن بيستون في الألفية الجديدة، ناقضت استنتاجات العلماء الأوائل وفندتها مثل إدوارد جلازر وجوزيف هاليفي وهيوغو وينكلر وجون فيلبي وغيرهم.
التاريخ
كانت سبأ إتحاداً قبلياً وعلى رأس الإتحاد كاهن يقال له مكرب وتعني مُقَـرِّب ويراد بها الآلهة [50] ولكن هناك من اعترض على هذه التفسير وفسرها بمعنى موحد [51] ضم الإتحاد عددا كبيرا من القبائل لا يعرف عنها شي في العصر الحالي باستثناء عدد من القبائل لا زال متواجدا باسمه إلى اليوم أبرزها همدان وكندة مذحج وهي القبائل التي ذكرت صراحة باسمها أما "الأزد" فلم تذكر بهذا الاسم ولكن وردت أسماء قبائل يعدها أهل الأخبار منهم في نصوص خط المسند أوثق مصادر تاريخ اليمن القديم [52] والقبائل المذكورة آنفا كان وجودهم على شكل أذواء وأقيال ولم يرد نص أن أحد منهم وصل لدرجة مكرب فقد هناك قبائل أخرى تتمسك بهذه الطبقة جاء ذكر بعضها مثل "ذي معاهر" و"ذي خليل" و"ذي سحر" [53] فيبدو أن همدان كانت أرضا تابعة للسبئيين وعليهم رؤساء من بيت "ذي سمعي " أما كندة فقد كان جزء منهم يتواجدون في قرية الفاو على مقربة من وادي الدواسر بالسعودية حالياً وتشير إليهم النصوص السبئية بلفظة "ذو آل ثور" و"أبعل قريتم كهلم وقحطن" أي أرباب قرية كاهل وقحطان وكانت مذحج وقبائلها من ضمنهم وأقدم نقش يشير إليهم حكى عن انضمامهم لتمرد ضد الأسر الحاكمة في مأرب [54][55] وقد ورد ذكر سبأ كثيرا في كتابات اليونانيين إذ وصفوهم بأن بلادهم المسماة "العربية السعيدة" كانت من أثري الأماكن في شبه الجزيرة العربية وأن السبئيين كانوا يسيطرون على الطرق التجارية من بلادهم حتى حدود فلسطين [56]
في كتب التراث العربية، فإن الغساسنة والمناذرة سبئيين والحقيقة أنه لم يكتشف نص يشير إليهم بهذه الأسماء وأورد أهل الأخبار قصصا بشأن ذلك منها أن الغساسنة سميوا بذلك عند نزولهم ماء غسان بعد هجرتهم عقب انهيار سد مأرب وهو مالا يؤيده دليل مكتشف. في نفس الوقت، فإن الوجود السبئي في أماكن الغساسنة والمناذرة مؤيد بالنقوش الآشورية وكتابات اليونان وإن كانت أسمائهم لم تظهر صراحة إلا في عهد مملكة حمير [57] والوجود السبئي في تلك المناطق ليس مرتبطا بتصدع أصاب سد مأرب القديم فالنص الآشوري الذي يشير إلى سبئيين في تيماء يعود إلى فترة كانت مملكة سبأ في أوجها [6] وقد ذكر سترابو أن السبئيين والأنباط هم ذات الشعب وهو قد يظهر الخلط التي وقع فيه الرومان ولكنه دلالة على وجود سبئي قرب الشام وذكر أن عاصمتهم كانت "ماريبا" (مأرب) [58] وذكر بلينيوس الأكبر أن السبئيين كانوا يسيطرون على جزر كثيرة ووصفهم بأنهم شعب من "السكونيين" وهي دلالة أن جزءاً من السبئيين كان بدوياً [59] فالسكونيين وفقاً لسترابو شعب عربي يعيش جنوب ماسوباتوميا (بلاد الرافدين)[60] وكان النشاط السبئي واضحا في مناطق الأنباط بدلالة ورود اسم ملك سبئي اسمه "زبد إيل" كان من سلم رأس "أليكساندر بالاس" الذي هرب لمناطق الأنباط هربا من البطالمة، إلى بطليموس السادس ولم يكن ليذكر اليونان ذلك لولا النفوذ السياسي السبئي في المنطقة [61]

يمكن مشاهدة أطلال مدينة مأرب القديمة من مسافة بعيدة وقد ذكر اليونان أن مركزها كان مبنيا على جبل
ولكن كل هذه الكتابات متأخرة للغاية ولا تفيد الباحثين في تحديد فترة نشوء السبئيين ومراحلهم الأولى وأغلب الظن أنهم كانوا يستوطنون حاضرة صرواح وهي موقع قرب مدينة مأرب القديمة ولم يختلفوا عن أي قبيلة أخرى، إلى أن توصلوا لحل للاستفادة من مياه الأمطار فأقاموا سدا صغيرا في صرواح لحصر المياه ويعتقد أن تلك كانت المرحلة الأولى لهم. فلا يوجد أنهار في اليمن تعينهم على الزراعة ومحصول الأمطار ليس مرتفعا مما خلق لهم عددا من المشاكل فحرص السبئيون على الاستفادة من كم الأمطار الضئيل عن طريق تشييد أول سدودهم الصغيرة في مدينة صرواح تجمعهم رابطة قبلية حول الإله عثتر الذي جعلوه والدهم بل والد البشرية جمعاء قبل دخول عدد من القبائل معهم وجلبهم لآلهتهم في ذلك المجتمع الصغير [62] استطاعت القبائل التوصل إلى وفاق وتفاهم بشأن الآلهة فاعتبرو المقه (ال مقه) إله قبيلة تدعى "فيشان"، إلها للقمر بينما عثتر الإله الرئيسي لسبأ إلها للشمس لإيجاد رابطة عصبية تجمع هذا الحلف ضد التحالفات الأخرى القريبة منهم والتي هي بدورها اجتمعت حول آلهة خاصة بها كالسبئيين، اعتبروهم آباء وأن لهم منها ذرية ونسلا [63] ويبدو أن قبيلة "فيشان" هذه استطاعت بسط نفوذها في المراحل الأولى للدولة حتى تصدر الإله المقه أغلب صيغ التعبد السبئية في النقوش ابتداء من القرن الثامن ق.م. قسم السبئيون قبائلهم على هذا الأساس فيمكن معرفة ارتباط القبيلة من نقوش خط المسند بعبارات مثل "ولد إل مقه " وتعني أبناء الإله إلمقه [64] وقامت القبائل الأخرى كقتبان ومعين وحضرموت بنفس الشئ مع قبائلها فقد كان الأوس من أبناء الإله ود وهو إله مملكة معين وليس سبأ [65] وكانوا مملكة صغيرة لايعرف الكثير عنها حتى الآن لم تبلغ مبلغ أي من الممالك الأربعة الرئيسية في اليمن القديم.
حكم الكهنة

كتابة سبئية من الفترة المهجورة
يُعتقد أن سبعة عشر كاهناً تولوا سدة الحكم في سبأ وقد يتغير الرقم بزيادة الاكتشافات [66] يعتقد أن أول مكرب أو أول من سمى نفسه بهذا اللقب عاش في القرن العاشر قبل الميلاد [67] كانت الكتابات السبئية القديمة غير واضحة وقصيرة لكنها تحسنت بمرور الوقت وحرص السبئيون على تزيين شواهدهم وتنميقها في عصور لاحقة. وهذا وهو المكرب أو الكاهن "سمح علي". ووردت عدة كتابات قصيرة في زمنه دونها رجل اسمه "صباح بن يثع كرب" يذكر فيها الآلهة المقه وعثتر وذات بعدان وقبيلة "فيشان" واسم المكرب وهو نقش ناقص [68] وأُكتشف نقش آخر يعود إلى نفس الفترة ويُعتقد أنه تكملة النقش الناقص يشير إلى ابن المكرب واسمه "يدعئيل ذارح" وقيامهم ببناء جدار إضافي لمعبد أوام في مأرب وفيه دلالة أن المعبد بني قبل هذه الفترة وأن ماأجري عليه كان مجرد إصلاحات [69] بل أن أبحاثاً أثرية حديثة قامت بها جامعة كالغيري الكندية على المعبد، تعيده إلى القرن الرابع عشر ق.م ومع ذلك بالكاد يُعرف شي عن ملوك قبل القرن العاشر، فما كادت البعثة الكندية تتم أبحاثها حتى عادت البعثة بسبب الاضطرابات الأمنية وقلق حراسهم المعينين من الحكومة اليمنية على سلامتهم [70] ذكر في النقش إلى جانب الآلهة عثتر والمقه وذات حميم إلهة اسمها هبس وجاء أنها كانت زوجة الإله المقه [71] وقد اهتم يدعئيل ذارح هذا ببناء المعابد وأهمها معبد أوام والنصوص تتحدث عن إصلاحات وإضافات عليه ولا يُعرف حتى الآن من الذي أمر ببنائه [72]
لم تُكتشف كتابات كثيرة عن المكاربة وأغلب نصوصهم المكتشفة بهذا النمط واستنبط الباحثون أن ليدعئيل ذارح ابن اسمه "سمح علي ينوف" وكان الحاكم الثالث في قائمة حكام سبأ [73] كان يحكم بالتشارك مع عدد من الكهنة كذلك هم "يدعئيل بين" و"يثع أمر" وهم إخوته ويظهر أن عددا من زعماء القبائل تبرع لتشييد عدد من الإصلاحات على المعبد وكان زعيما من قبيلة قديمة اسمها "ذي يبرن" وزعيم قبيلة أخرى اسمها "ذو رحضن"[74] وهذه النون التي تزين آخر الأسماء هي أداة التعريف المطلق في لغة العرب الجنوبيين القديمة[75] وسبقت أسماء زعماء تلك القبائل لفظة "مودد" وتعني رجلا يتودد للحاكم وقريب منه [76] وأُكتشف نص آخر يتحدث عن تبرع رجل من قبيلة اسمها "ذو لحد" ببناء "مردع" (سور) لمدينة اسمها "منية" [74] قام "يثع أمر وتر بن يدعئيل ذارح" بتجديد بناء معبد الإلهة هبس [77]
حاول السبئيين في تلك الفترة تجاوز مرحلة مملكة المدينة في مأرب وصرواح وأغاروا على الجوف وأستولوا عليها من مملكة معين وقاموا بتسوير عاصمتها لتكون منطلقا لغاراتهم فيما بعد للسيطرة على باقي الممالك اليمنية القديمة ومن ثم الطريق التجارية وكان المكرب يدعئيل بين بن يثع أمر وتر قائد هذه الحملة [78] في نفس الوقت، هناك دلائل على وجود سبئي في نفس الفترة في شمال الجزيرة العربية وورد في نص آشوري للملك سرجون الثاني اسم "يثع أمر" واختلف الباحثون في المقصود ماإذا كان هو مكرب سبأ في مأرب أم أنه زعيم قبيلة سبئية في مناطق قريبة من الآشوريين. يحكي النص الآشوري أن "يثع أمر" هذا قدم هدية للملك واختلف الباحثون في سبب ذلك ومغزاه. فلا توجد دلائل أن الآشوريين وصلوا لليمن فالهدية قد تكون من أحد زعماء المستعمرات السبئية في جنوب فلسطين والغالب كان من باب التلطف للآشوريين وكسب ثقتهم في القوافل السبئية التي لها تجارة كبيرة في أسواق العراق حينها[79] ولكن تطابق الأسماء يرجح أن الهدية مرسلة من اليمن فإن كانت كذلك فالأرجح أن غزو الآشوريين لـ"آدوماتو" (دومة الجندل) أثر على القوافل السبئية فعمل السبئيون في اليمن على تقليل أي ضرر ناتج عن هذه الغزوة على تجارتهم بتقديم هدية لإيصال رسالة للآشوريين أنهم لايريدون حربا والإبقاء على سلامة العلاقات التجارية بينهم [80] قدر الباحثون فترة حكم "يثع أمر وتر" في القرن الثامن ق.م [81] حكم بعد يثع أمر وتر هذا ابنه كربئيل بين وقام بتوسيع وتحسين مدينة "نشق" وهي في محافظة الجوف [82] وأرسل كربئيل بين هدية إلى ملك آشوري آخر هو سنحاريب ومثل النص القديم الذي يشير لتقديم يمنيين لهدايا من البخور لفرعون مصر المسيطر على سورية، فإن هدف الهدية المقدمة للملك الآشوري كان تسهيل التبادل التجاري بين العراق واليمن ولكسب ثقة الآشوريين بالقوافل السبئية [82]

جزء من الكتابة التي دونها المكرب "يثع أمر وتر" وتعود الكتابة للقرن الثامن قبل الميلاد
تولى الحكم ابن كربئيل بين المدعو ذمار علي وتر والذي قام بتوسيعات إضافية لمدينة "نشق" التابعة لمملكة معين أصلاً قام ببناء سد صغير فيها لحصر مياه الأمطار [83] وهذه النصوص على صعوبتها وشحها تفيد أن السبئيين كانوا يتوسعون تدريجياً وببطء للاستيلاء على ممتلكات جيرانهم [84] ولا يعرف الكثير عنه سوى أنه يحكم بمشاركة أخيه "يثع أمر بين" الذي قام بدوره بثقب عدد الصخور لإنشاء ثغور تسير منها المياه وتزويدها بأبواب جديدة لزيادة التحكم بالمياه وكل هذه المشروعات تمت في مدينة مأرب ويسمي السبئيون السد بلفظة "عرمن" (العرم) في نصوص خط المسند [85] وازدهرت مدينة مأرب في هذه الفترة التي يعتقد أنها في القرن الثامن ق.م ونافست مدينة صرواح العاصمة الدينية للسبئيين. وقام يثع أمر بين هذا بتقوية حصون الجوف التي استولوا عليها من المعينيين وسيطر على أبين وبنى فيها سدا كذلك [86] شارك يثع أمر بين مكرب يدعى سمح علي ينوف الثاني وقام ببناء سد آخر يدعى "رحاب" للسيطرة على مياه الأمطار ويعتقد أن سد رحاب هذا هو سد مأرب الشهير وتعود زمن الكتابة إلى العام 750 ق.م (القرن الثامن)[87] وقام نفس المكرب (يثع أمر بين) ببناء "مردع" (سور) آخر حول قلعة في حريب وهو موقع على حدود شبوة عاصمة مملكة حضرموت وفيه دليل على النوايا السبئية للسيطرة على أملاك جيرانهم تدريجيا وعلى حين غفلة منهم فهذه القلاع والحصون أصبحت محطات لانطلاق المقاتلين [88] وبالفعل شن المكرب المذكور آنفا هجوماً على مملكة قتبان وقتل منهم أربعة آلاف رجل وهاجم مملكة معين وقتل عدداً لم يتسن للباحثين معرفته بسبب التلف الذي أصاب النقش وهاجم نجران كذلك وكان عدد القتلى فيها مرتفعاً فقتل خمسة وأربعين ألف من أهل نجران وأسر ثلاثة وستين ألف واستولى على واحد وثلاثين ألف رأس من الماشية وقام بإحراق مدن وقرى نجران بالكامل وذكر أن على نجران رئيسا اسمه "عذرائيل" [89] وقام نفس المكرب بأعمال بنائية فقد أمر ببناء بابين إضافين لمدينة مأرب على كل باب برجين من حجر البلق الكريم وجاء في معاجم اللغة أن البلق "حجر باليمن يُضيء ما وراءه كما يُضيء الزُّجاج" [90] وقام ببناء سد أطلق عليه اسم "مقرن" لإيصال المياه إلى أبين وسدين إضافين هما سد "منهيت" و"كاهل" وحفر عددا من المسايل وقام بتوسيع مجرى السيل لسد "رحاب" (سد مأرب)[91] وفي هذه النقوش دلالات على تفوق السبئيين في بناء السدود وإبداعهم فيها فمن سدهم الصغير الأول في مدينة صرواح، توسعوا فبنوا سدودا في كل المدن والقرى التي سيطروا عليها وحولوا صحراء جنوب شبه الجزيرة العربية إلى أرض زراعية وهم من الحضارات القليلة في العالم القديم من فكر بإنشاء مثل هذه المشاريع للتغلب على صعوبة تضاريس بلادهم[86] إلا أن مشكلة كبيرة كانت تواجههم وهي إيصال المياه إلى المرتفعات الجبلية. وردت أسماء خمس أو ستة كهنة آخرين ولكن لا شي يذكر عنهم أو لم يُكتشف عنهم شي مهم.
التخلي عن الكهانة وإنشاء المملكة
وقائع كربئيل وتر الأول
في القرن السابع ق.م، قام المكرب كربئيل وتر بتغيير لقبه إلى ملك. فقد بدأ حكمه كمكرب ودون كتابة طويلة بخط المسند يحكي فيها متى صارا ملكا. قام هذا الملك بتوسيع نفوذ سبأ وشن حملة عسكرية خلفت تسعة وعشرين ألف وستمائة قتيل وعددا أكبر من الأسرى أسمى الباحثون كتابته "كتابة صرواح" كونه كتبها في معبد الإله المقه في تلك المدينة. وتعد هذه الكتابة من أهم النقوش السبئية المكتشفة حتى الآن وللأسف فإن الإهمال طالها وطمست كثير من الحروف الواردة فقد ذكر شيخ الأثريين المصري أحمد فخري بأن النقش معرض لعبث العامة [92] بدأ النقش بعبارة [93] :
   مملكة سبأ هذا ما أمر بتسطيره كربئيل وتر بن ذمار علي مكرب سبأ عندما صار ملكا. وذلك لإلهه إل مقه ولشعبه، شعب سبأ   مملكة سبأ

بقايا وخرائب معبد المقه في صرواح زعم المؤرخون المسلمين أن الجن بنته بأمر من الملك سليمان [94]

معبد إلمقه في صرواح من الداخل

جزء من كتابة صرواح

معبد إلمقه في شمال إثيوبيا قرب أكسوم أقدم المباني الأثرية في تلك البلاد والسبئيين القادمين من اليمن هم أول من عمر فيها وعلم السكان الأصليين الخط [95] يعود تاريخ البناء للقرن السابع قبل الميلاد حوالي أيام كربئيل وتر أو قبله بفترة غير بعيدة ويلاحظ التشابه في الطراز المعماري للمعبد بذلك الموجود في عاصمة سبأ الدينية صرواح
تمكن هذا الملك كما يتضح من النقش، من حصر مياه الأمطار وري المرتفعات الجبلية فقام بكساء صنمي الآلهة عثتر وهبس بعد أن شكر إله سبأ المقه على تمكينه من توحيد شعب سبأ أو "معشره" كما يذكر النص وأتباعهم دون تفرقة ولا طبقية وأن منحتهم الآلهة أرضا طيبة حتى روت المياه كل أراضي سبأ. ثم انتقل إلى ذكر مواقعه لتوحيد القبائل والممالك ويبدأ كل موقعة بعبارة و"يوم" وكانت مملكة أوسان في عدن أو "أوسن" وترجمتها الأوس لإن النون آخر العلم هي أداة التعريف كما ورد آنفا [96] ،أكثر الممالك المتضررة من حملاته فقتل منهم ستة عشر ألف نسمة وهرب منهم من هرب ولم يحدد الجهة التي فروا إليها. ولكنه ابتدأ مواقعه بحملة على المعافر وهي أرض وقبيلة في تعز نسبها الإخباريون لحمير رغم أن ذكرهم أقدم بكثير، وجاء أنه "يوم مخض" (يوم ضرب) سادة ونقباء المعافر وأحرق مدنهم وقراهم ثم قهر "ضلم" و"ضبر" و"أروى"، قتل منهم ثلاثة آلاف وأسر ثمانية آلاف وضاعف عليهم "غرمت" (غرامة) من الماشية وهاجم "ذبحن ذو قشر" و"شرجب" واستولى على جبل عسمة ووادي صير وجعلها وقفا لشعب سبأ[97] كان هدف كربئيل وتر من هذه الحملة هو تقليص نفوذ مملكة أوسان على البحر الأحمر وإن لم يذكر كربئيل ذلك في كتابته وعزى سبب حملاته إلى وحي من إلهه[98]
ثم ابتدأ الحديث عن حملته على "أوسن" وقتل منهم ستة عشر ألف قتيل وأسر أربعين ألفا وأمر بإحراق كل أراضيهم وهدم قصر ملكهم وإزالة كل الكتابات والنقوش عليه وهو ماقد يفسر قلة الكتابات الواردة عن "أوسن" وأمر بتقديم ملكهم وسادات القوم قرابين لإله سبأ إلمقه[99] أظهر الملك حقداً وإمعاناً في القسوة ضدهم تحديداً ويبدو أن تلك المملكة كانت مملكة قوية وشكلت تهديداُ لسبأ وبدأت بمهاجمة الممالك المجاورة فكان العقاب السبئي تقديم الملك وسادات القوم قرابين لإله سبأ. في البداية، أمر الملك جنوده بقتل كل من يرونه أمامهم وأن يأتوا بسادة "أوسن" (الأوس) أمامه وقرر أن يقدمهم قربانا لإلهه ثم أمر شعب سبأ بالتراجع. عمد كربئيل على إحراق وإتلاف كل مدنهم حتى وصل إلى قصر "مزودهم" وأمر بهدمه وإزالة كل الكتابات والنقوش والإشارة إلى "مزودهم" (مزود) هي دلالة أن الأوس كانوا معينيين فعلا لإن المزود هو لقب حكام مملكة معين[100]
ثم توجه نحو "دهس" (يافع) وقتل منهم ألفين وأسر خمسة آلاف وأحرق مدنهم بالكامل وأمر بضم أراضيهم و"دثنت" (دثينة) باستثناء أرض "عودم" (عود) وهم قوم من "دهس" تركها ولم يتعرض لها لإن أبنائها عظموا إله سبأ إلمقه أي استسلموا وخضعوا دون مقاومة بمعنى آخر [101] ثم تحدث عن منطقة اسمها "أنف" و"رشأي" لا يعرف عنها شي ولكنه ذكر بعدها جردان وهو واد في شبوة وكل المدن التابعة لـ"سيبن" (سيبان وهو اسم قبيلة من حضرموت) و"كحد" ومدن "أتخ" وميفعة و"رتح" وكل وادي عبدان حتى الساحل ذكر أن كل من في هذه المناطق من جنود وعبيد وأحرار وأموال وأملاك أصبحوا ملكاً لسبأ وإلهها إلمقه[102] ثم أمر بإعادة (وهب) الأراضي "من تحت ذي أوسن" (التي سقطت بيدهم) للإلهين سين (إله مملكة حضرموت) وعم (إله مملكة قتبان) لإنهم حالفوه في حملاته [103] إلا أن أهالي "كحد" المذكورة آنفاً تمردوا، فسار إليهم وقتل خمسمائة نسمة وأخذ منهم ألف طفل رهينة مقابل الولاء وألفي حائك منهم أسير وعلى كل مواشيهم ومقتنياتهم.
تمردت مملكة نشق وكانت في محافظة البيضاء حالياً هي ومملكة صغيرة أخرى تدعى "نشأن" فادعى كربئيل وتر أن الإله عثتر قد أنبئه بذلك فقتل منهم ألف وأعاد الأراضي إلى ملكية سبأ من جديد وسور كل أراضيهما وفرض عليهم إسكان السبئيين في أراضيهم وبناء معبد للإله المقه ثم قام بضم أحد سدودهم لسبأ وتأجيره لملك مملكة محالفة للسبئيين وفرض عليهم جزية سنوية يدفعونها لسبأ [104] ثم انتقل للحديث عن مملكة هرم الصغيرة وكيف أنها صارحته العداء فقتل منهم ثلاث آلاف وأسر خمسة آلاف وغنم مئة وخمسين ألف رأس من الماشية [105] ثم تحدث عن مجموعة قبائل اسمها "مهأمر" قتل منهم خمسة آلاف قتيل وأسر إثني عشر ألف طفل وغنم مئتي ألف رأس من الماشية وذكر أنهم كانوا في "نجرن" (نجران) وفرض على نجران جزية يؤدونها للإله إلمقه[106] وختم النص بإن قدم تمثالا من الذهب للإله عثتر وانتهى بذلك من سرد مواقعه لتوحيد البلاد وانتقل ليتحدث عن أعماله العمرانية.
كان لحملات كربئيل وتر أثر كبير على البلاد فقد أحرق كل المدن التي أبدت مقاومة له وقتل كل المحاربين وأمعن في استذلال أهل القرى المعارضة بل أصبح كربئيل وتر رمزاً لمن أتى بعده بدلالة ورود نصوص عن أشخاص يحلفون باسمه [107] ولم يكن آخر حكام اليمن الذين يحرقون ويقتلون أهل القرى المستسلمة بالكامل فقد كانت سياسة معروفة عند ملوك سبأ وحِميَّر من بعدهم ولم تُكتشف كتابات حضرمية ومعينية بنفس الأسلوب. قام كربئيل وتر بإسكان "معشره" كما يذكر باللفظة السبئية في كل الأماكن التي سجلها باسم سبأ أو باسم الإله المقه وانتقل للحديث عن أعمال العمارة والبناء وإصلاح نظم الري. قام بتعلية قصره في مأرب وتقوية دعائم الطابق السفلي منه، ثم قام بإصلاح المسايل وتقوية جدران السدود [108] وقام بتسجيل أراضي كثيرة لملكيته منها "ذو حبَّاب" و"ذو شمَّر" و" ذو فدهم" و"ذو مهجم" وذكر أرض اسمها "خندف" و"عتب" و"الورخ" وأراضي استولى عليها من زعيم قبلي يدعى "يعتق ذي خولن" وذي خولن هي خولان [109] وقام بتسوير مدن كثيرة منها رداع لم تكن مسورة قبل ذلك وسور وحصن كل الأراضي السبئية ولكنه هدم أسوار المدن الحضرمية والقتبانية رغم أنه أمنهم على أراضيهم [110] وظهر بعد هذه الحملات اسم إلهة هي ذات غضران والحقيقة أن اسمها ورد بصيغة "ذات غضرن" وبما أن النون هي أداة التعريف فإن ترجمتها تصبح "ذات الغضر" والغضر في اللغة هو سعة المال فيبدو أنها كانت إلهة مسؤولة عن المال والرزق ومايتعلق بهما [111] واكتشف نص آشوري في نفس الفترة، عن تلقي الملك سنحاريب لهدية من ملك سبأ "كرب إيلو " ولا شك أنه كرب إيل وتر ولها نفس الغرض وهي تأمين تجارة السبئيين في العراق. ويُعتقد أن فترة الامتداد السبئي في إثيوبيا كانت خلال هذه الفترة فقد وردت نصوص بلغة سبئية في شمال إثيوبيا ومعابد للإله المقه تعود إلى هذه الفترة أو قبلها بزمن غير بعيد. ولا يعرف على وجه الدقة طبيعة الوجود السبئي في شمال إثيوبيا قرب منطقة أكسوم التاريخية، فقد كانت هناك مستعمرات سبئية في تلك المناطق بلا شك بدلالة انتقال خط المسند إليهم [112] ولكن لا يعرف مدى ارتباطها السياسي بمأرب فكثير من الباحثين يؤمنون أن مملكة أكسوم التي ظهرت قرابة الأول قبل الميلاد أو الأول بعده، كانوا إمتداداً لهذه المستعمرة السبئية [113] لكنها لم تكن سبئية نقية بل هم نتاج تزواج السبئيين في تلك المناطق مع السكان الأصليين 
كانت صرواح أرض السبئيين ومنبعهم عاصمة لسبأ إلا أن كربئيل وتر اتخذ من مدينة مأرب عاصمة لمملكته حيث موضع السد ومنذ ذلك الحين ومأرب عاصمة لسبأ ورمزاً لها ولا زالت آثار عدد من القصور باديا وغالبه مطمور تحت الأرض ولا يظهر منها سوى الأعمدة 
بعد التوحيد

تمثال من البرونز عٌثر عليه في معبد المقه مقدم من رجل يدعى "معد يكرب" يعود للقرن السادس ق.م
توفي كربئيل وتر وخلفه ابنه "سمح علي ذارح" ويُعتقد أنه حكم في أواخر القرن السابع ق.م واستطاع الآثريون استنباط جوانب قليلة من حياته منها ابناه "إيلي شرح " و" كربئيل"[117] لا يعرف الكثير عنه ولا عن ابناه سوى نص ورد عن إيفاء "إيلي شرح" هذا بنذر كان قد نذره للآلهة وأمر بتخليد فعله في شاهد بخط المسند ليراه الناس وتولوا الحكم في المملكة فقد كان إشراك الإخوة في الحكم أمراً شائعاً في اليمن القديم وكان لعلي ذارح أخ آخر هو ابن كربئيل وتر واسمه يدعئيل بين ولم يُكتشف شي مهم عنهم سوى بضعة كتابات لزعماء قبائل يشكرون آلهتهم على تحقيق مطالبهم ويختمون نصوصهم بذكر أسماء هولاء الملوك إلا نصاً واحدا من هذه النصوص يذكر اسم بكيل وهي قبيلة يمنية لا زالت موجودة إلى اليوم [118] تولى الحكم ملك يدعى "يكرب ملك وتر" وأقر هذا الملك قانونا يحدد فيه الضرائب على ملاك الأراضي والخدمة العسكرية المناطة بالقبائل وختم القانون بإدراج اسمه وأسماء الأقيال المؤيدين للقرار وهم أقيال "ذو حزفر" و"ذو كريم" و"ذو ثور" و"ذو خليل" [119] إذ جاء في النص عبارة "سمعم ذات علم" أي سمع أو شهد هذا الإعلام زعماء القبائل أو المقاطعات المذكورة آنفاً.ويُعتقد أنه أقر ماعُرف بالـ"فيدرالية" عند السبئيين فلم يجد الملك حرجاً في تدوين زعماء القبائل نصوصاً يصفون فيها أنفسهم بالملوك فجعل لكل مقاطعة حكماً ذاتياً يتبع المملكة عسكرياً مقابل ضرائب تدفعها هذه المقاطعات للعاصمة وجعل الباحثون مبدأ حكمة بدايات القرن السادس ق.م [120] وقد صعب ذلك من جهود الباحثين في تمييز الملوك من زعماء الإقطاعيات فتفاوتت أرائهم كثيراً حول دلالات النصوص [121]
ثم تولى الحكم الملك "يثع أمر بين الثاني" وابتدأ حكمه بتقديم نذر للإله عثتر وأصيب بقية النقش بتلف صعبت على الباحثين معرفة النذر[122] ولكن اكتشف عن تمرد من القتبانيين وفرضهم لسلطتهم على مناطق سبئية، فقد ورد نص قتباني لملك يدعى "يدع أب يجل بن ذمار علي" يحكي فيها ضمه لأراضي قبيلة اسمها "ذبحان" و"رعين" و"صبر" وجعلها من أملاك الإله عم أكبر آلهة القتبانيين فترأس كاهن سبئي يدعى "تبع كرب" المفاوضات مع قتبان وقام بخفر خنادق وبناء أبراج حراسة بعد نجاح المفاوضات التي لم يذكر نتيجتها إلى أنه ذكر أنه توصل إلى اتفاق من نوع ما مع مملكة قتبان[123] تولى الحكم بعد "يثع أمر بين الثاني" على رأي الباحثين، ابنه "كربئيل وتر الثاني" الذي ابتدأ حكمه بسلسلة تعديلات على قوانين الضرائب وقام بحفر أنهار وأغيلة وبناء سدود مائية جديدة ووردت نصوص من أشخاص يذكرون فيها الملك وإبنه "سمح علي" منها الكتابة المعروضة في متحف اللوفر بباريس والمقدمة من شخص يدعى "عميمر بن معد يكرب" [124] لم يُكتشف شي يستحق الذكر عن حياة "سمح علي ينوف الثاني" ولا عن ابنه "إيلي شرح الثاني" وكلهم حكموا في القرن الخامس قبل الميلاد ومعظم النصوص التي يرجعها العلماء لهذا العهد تتحدث عن إصلاحات وأعمال زراعية ومن ثم ملك "يدعئيل بين الثالث" وإبنه "ذمار علي الأول" وعلى رتابة النصوص فهي دلالة على استقرار الأمور سياسياً ويظهر من النصوص ورود أسماء آلهة أخرى مثل ود أكبر آلهة مملكة معين إلى جانب آلهة سبئيين وهي دليل على الاستقرار والهدوء السياسي الذي ساد هذه الفترة من القرن السادس وحتى نهايات الخامس ق.م [125] ثم ملك "إيلي شرح بن سمح علي ينوف" ومن بعده "ذمار علي بين" وكان شقيق "إيلي شرح" وكان "يدعئيل وتر" ابن ذمار علي بين من تسلم الحكم بعد والده وذلك وسط القرن الخامس ق.م [126] ثم ملك "كربئيل وتر الرابع" بدايات القرن الرابع ق.م وهناك فجوات كثيرة في التسلسل التاريخي لهذه الفترة جراء النقص في المُكتشف وكل مافعله الباحثون هو رص أسماء الملوك في قوائم دون استنباط الكثير عن التطورات السياسية والاجتماعية [127] ولكن ذكر آلهة سبأ إلى جانب آلهة إلى جانب آلهة القبائل الأخرى في النصوص المدونة من المواطنين دلالة على الهدوء السياسي بين القبائل وتفأهمها[128]
سلالة ملكية جديدة

جزء من شاهد قبر مكسور يعود لهذه الفترة خلال القرن الخامس ـ الرابع ق.م
وفقا لجون فيلبي في كتابه "خلفية الإسلام"، فإن كربئيل وتر الرابع كان خاتمة سلالة ملكية لتظهر بعده سلالة ملكية جديدة بقيادة ملك يدعى "إيل كرب يهنعم" الذي اكتشفت عنه كتابة شمال صنعاء [126] اكتشف نص أن ملكا يدعى "وهبئيل" (وهب إيل) وصل إلى الحكم ولم يكن من الأسرة الحاكمة المدعوة "فيشان" ولايعرف من أي الأسر هو على وجه الدقة إلا أن نصا يعود إلى ابنه "أنمار" يشير إلى الإله تألب ريام وهو إله قبيلة همدان وذلك أواخر القرن الرابع ق.م [129] قليل المعروف عن "وهبئيل" وإبنه أنمار ولكن ورد نص لشخص من قبيلة "ذي بتع" وهذه القبيلة من حاشد أو "حشدم" حسب نصوص المسند [130] ورد في النص أن الحاشدي هذا شن حملة عسكرية ولكن لا يعرف تفاصيلها بسبب التلف الذي أصاب الكتابة فأضاعت منها الكثير ولكن الواضح أنه قدم تمثالا للإله تألب ريام وهو أكبر آلهة همدان ووالدهم وفق معتقداتهم القديمة وذكر أن الملك "أنمار" أمده بقوات عسكرية لدعمه [131]
تولى الحكم بعد "أنمار" ابنه "ذمار علي ذارح" ولم يُكتشف عنه شي مهم وتولى بعده الملك "نشأكرب يهأمن" وكلمة "يهأمن" تعني "يأمن" [132] وردت عدة نصوص تعود لأيامه منها نص إصلاحه لأصنام في معبد للإله عثتر كان قد أصابها تلف، ونص آخر لتقديمه أربعة وعشرين صنما لإلهة اسمها "شمس" لإنها باركت قصره وأهله ثم ذكر الآلهة إلمقه وعثتر [133] ويبدو أن الملك أصيب بعارض صحي بدلالة ورود نص لأقيال "جرت" زعماء قبيلة اسمها "ذمري" التي تنتمي لقبيلة اسمها "سمهر" وفق الكتابة ولا يعرف شي عن هذه القبائل ولم يرد لها ذكر في كتابات النسابة، قدموا تمثالين من البرونز "لإل مقه بعل أوام" (إل مقه رب معبد اوام) على شفاء الملك وأن يستمر إل مقه بإسعادهم بمنح ملكهم الصحة والعافية [134] وورد نص لزعيم قبلي من "آل جميل العرج" زعماء قبيلة اسمها "ميدع" شكروا فيها إلههم إل مقه على رجوعهم سالمين غانمين بعد غزوة أمر بها الملك نحو "أرضم عربن" (أرض العرب) وتمكنهم من استعادة ماسرقه البدو وأخذهم أسرى وذكروا آخر النص الآلهة عثتر وذات بعدان وذات حمم وشمس [135]
ويبدو أن أعراباً اعتدوا على قافلة سبئية عائدة إلى اليمن أو ربما يكون الاعتداء على مزارع سبئية ولا يعرف على وجه الدقة ماهي "أرض عربن" هذه وحرفيا تعني "أرض العرب" وكلمة عربي في كل النصوص السامية القديمة تشير إلى البدو دائما وليست بدلالة قومية وبدأت تظهر بشكل أكثر وضوحاً في الكتابات السبئية ابتداء من القرن الأول ق.م أثناء الحرب الأهلية بين همدان وحِميَّر. فقد استغل البدو هذا الاضطراب كعادتهم للنهب والسلب واستفاد منهم الملوك فطوعوهم لمصالحهم. كان عهد نشأكرب يهأمن أو يأمن هذا عهداً مستقراً ويبدو زاهراً بدلالة كثرة النصوص التي دونها زعماء قبائل وأناس عاديين تطلب من الآلهة أن تديم عليهم نعمها وتزيد من هذه الأفضال [136]
هناك اختلاف بين الباحثين حول قبيلة هذا الملك فمنهم من يعتبره همدانيا ولكن غياب الإله تألب ريام من كتاباته يضعف هذا الاحتمال والغالب أنه من قبيلة اسمها "جرت" الوارد ذكرها آنفا من "سمهر" [137] أما كيفية وصوله لقصر الحكم في مأرب فهو أمر غامض قد تكشف أسراره اكتشافات أثرية جديدة في اليمن فهذه المشكلة تواجه الباحثين من القرن التاسع العشر فلا زال الغموض يحيط بجوانب كثيرة من تاريخ البلاد.
ملوك همدان

صنعاء القديمة، وجاء ذكرها في نصوص المسند بصيغة "صنعو"وهي مشتقة من "مصنعة" وكلمة مصنعة تعني الحصن. كانت أهم مراكز أسر همدان عبر تاريخ اليمن القديم والحديث
دخلت البلاد القرن الثالث ق.م وأدرج الباحثون اسم ملك هو "ناصر يهأمن" وهناك إجماع أنه من قبيلة همدان ولكن الاختلاف حول ماإذا كان ملكاً أم لا. فجون فيلبي اعتبره ملكاً وافتتح به السلالة الملكية الرابعة لسبأ ولكن وردت نصوص لأناس ينتمون لهمدان يشيرون فيها إلى "ناصر يهأمن" بلفظة "أميرهمو" (أمير) ولم تدرج لقب ملك قبل اسمه [138] دون هذا الأمير كتابة يشكر فيها الإله تألب ريام على سلامته وعائلته بمناسبة بناء بيت وختم النص بسؤال إلههم أن يزيد من قوة ونفوذ أبناء همدان[139] وهو أمر شائع في اليمن، فبالرغم أن نعت "يهأمن" هو نعت تعظيم إلا أن هذا الزعيم القبلي لم ينظر لنفسه بدرجة أقل من الملك وكان نافذا وله قوات وأتباع وقد افتتح هذا القيل بادرة استقلال زعماء القبائل وتحديهم للسلطة المركزية ولا شك أن الملك السبئي خلال أيام هذا الأمير الهمداني كان ضعيفا وإلا لذكره أبناء همدان عوضا عن تجاهله والتيمن باسم شيخهم 
ورد اسم ملك يدعى وهبئيل يحز الأول خلف الملك الضعيف الذي لم تهتم القبائل بذكر اسمه في كتابتها وذلك منتصف القرن الثالث ق.م وورد نص أيام هذا الملك مدون من رجل يدعى "رب أوم" من قبيلة "دوسم" (دوس) يُعتقد أن دوس هذه هي القبيلة المعروفة باسم "الدوسي" يعدها الإخباريون من الأزد قدموا تمثالا للإله إلمقه حمداً له على الإيفاء بمطالبهم وحمايتهم في كل غزواتهم وأنهم أرضو ولقيوا حظوة عند ملك سبأ وهبئيل يحز[141] وهذا هو النقش الوحيد المكتشف حتى الآن الذي يشير إلى هذه القبيلة ولم يشر إلى أن "رب أوم" هذا كان ملكاً ولم يكتشف حتى الآن أن أسرة من القبائل التي يعدها أهل الأخبار من الأزد ملكو سبأ فوهبئيل يحز همداني [142] رغم أن هولاء الأزد أدعوا أنهم كانوا ملوكا على سبأ واختلقوا الكثير من الأساطير والقصص وراء هذا الإدعاء في العصور الإسلامية ومرور قرون وأجيال مديدة بعد سقوط المملكة.
ولكن الكتابة التي دونها "رب أوم" الدوسي هذا تشير إلى حرب وبالفعل وردت نصوص عديدة مدونة من زعماء "ذي خولن" (خولان) و"مرثد بن بكل" (بكيل) تشير إلى حروب وهبئيل يحز مع زعيم "ريدان" (حمير) المدعو "ذمار علي" وهو أقدم النصوص التي تشير إلى محاولة الحميريين انتزاع الملك من سبأ [143] وورد في النص الذي دونه زعيم بكيل مدينة "صنعو" (صنعاء) وهي أقدم كتابة تشير إليها كذلك. وورد نص آخر لقبيلة همدان يشيرون فيه إلى الإله المقه وإلههم الخاص تألب ريام أن من عليهم وجعلهم مقربين من ملك سبأ "وهبئيل يحز" ووفق قبيلتهم "حشدم" (حاشد) في تأديب "عربن" (الأعراب) الذين تعدوا على "أسيادهم وأربابهم ملوك سبأ" وسألوا الإله المقه أن يديم عليهم نعمه بحق عثتر والمقه وحاميهم ووالدهم الإله تألب ريام [144] والملاحظ في هذه النصوص أن السبئيين ميزوا أنفسهم في النصوص عن البدو لم يهتموا بذكر أسمائهم وذلك إمعانا في إحتقارهم عكس البدو السبئيين فقد كانوا يذكرون كندة ومذحج رغم أنهم بدو إلا أنهم سبئيين كذلك وفي هذا دلالة أن البدو الذين "أدبهم" مقاتلي حاشد كانوا غرباء عنهم [145] وقد كان زعماء القبائل المذكورة في النص وهم "حشدم" (حاشد) و"مرثد بن بكل" (بكيل) يلقبون أنفسهم بلقب "أملك سبأ" بعد اسم الملك الفعلي وهو وهبئيل يحز وكذا فعل "رب أوم" الدوسي رغم أنه لم يشر لنفسه كملك ولهذا عدة دلالات أن زعماء همدان كانوا يحكمون أراضيهم ذاتياً ويعتبرون أنفسهم ملوكاً مشاركين في الحكم لوهبئيل يحز الذي كان ينتمي إليهم بدوره [145]
بدأ يتزايد نفوذ قبيلة همدان في الدولة واختفى ذكر "فيشان" وظهرت أسماء قبائل "ذي خولن" (خولان) إلا أن النصوص السبئية تشير صراحة إلى خولان بأنهم من "ذو ريدان" (حمير)[146] يعتقد باحثي المدرسة الألمانية أن "وهبئيل يحز" هذا لم يكن ملكا فلا يعرف شي عن أباه فلم يذكره في أي نص ويعتقد أنه كان من سواد الناس وقاد ثورة ضد ملوك سبأ الأصليين في زمن وظرف لا يعرف عنه الباحثون واستمر الحكم بعدها بيد ملوك من همدان [147] ملك ابنه "كربئيل وتر الخامس" بعد وفاته الذي ورد نص عن توكيله زعيماً من حاشد ليرأس "معهر" ومعهر هو مجلس تداول ومشاورة القوانين [7]
دونت في عهد هذا الملك كتابات عديدة تتيمن به عند بناء البيوت أو تقديم القرابين واكتشفت كتابة بدلالة هامة عن إله جديد لم يظهر من قبل وهو الإله ذو سماوي (صاحب السماء) ويرجع الباحثون فترة كربئيل وتر الخامس إلى بدايات القرن الثاني ق.م [7] ويبدو أن عهده كان هادئا مستقراً بدلالة كثرة النصوص التي تشكر الآلهة على وفرة الحصاد وأن يبعد عنهم "الحسد" [148] إلا أن هذا الملك اتخذ قرارا أغضب أهل مأرب وهو تعيين رجل من منطقة غيمان حاكماً إداريا عليهم ولم يعجبهم هذا التعيين فأهل مأرب كانوا يكرهون أهل غيمان [149] فأحتج أهل مأرب وألح الملك على الحاكم الإداري قمع الاحتجاجات بقوة الجيش وهو ماحدث [150]
وحكم هذا الملك لمدة ثلاثين سنة ليتولى رجل آخر سدة الحكم وهو "يريم أيمن" زعيم قبيلة حاشد وتدخل البلاد مرحلة جديدة هي مرحلة مملكة سبأ وذو ريدان، فقد بدأ الملوك بتغيير ألقابهم هذه الفترة وحرصوا على إضافة أسماء الأراض التي يملكوها إلى لقبهم الملكي. ويعتبر "يريم أيمن" الحاشدي فاتح سلالة جديدة من الملوك فرغم أن من أتى قبله كانوا همدانيين كذلك لكنهم لم يكونوا من حاشد فهمدان في نصوص المسند ليس اسم قبيلة بالضرورة بل هو منطقة وإن جعلها النسابة والإخباريون بعد الإسلام شخصاً وله أب اسمه "زيد" [151] وجاء ذكر همدان في نصوص المسند بصيغة "أرضم همدن" (أرض الهمد) والنون آخر العلم هي أداة التعريف والأرض الهمد تعني الأرض الجافة التي لا نبات فيها [152]
الحرب بين همدان وحِميَّر
Crystal Clear app kdict.png طالع أيضًا: مملكة حمير همدان (قبيلة) مملكة كندة مذحج مملكة حضرموت

ظفار يريم بمحافظة إب موطن الأسرة الحميرية الحاكمة
كانت سبأ تضم عددا كبيرا من القبائل ومقر الحكم الأساسي كان في مدينة "مرب" (مأرب)، وكل قبيلة أو اتحاد بالأصح تحكم أراضيها ذاتيا وعلى رأسهم قيل أو ذو قد تتفاهم هذه القبائل مع بعضها أو تزاحم الملوك على سلطانهم. في القرن الثاني ق.م، كانت سبأ تتمتع بوضع مستقر يتخلله بعض الاضطرابات ولكن لا شواهد على ضعف المملكة فالكتابات اليونانية في تلك الفترة تصف سبأ بكثير من البذخ إذ وصفوا السبئيين بأنهم أكثر القبائل العربية عددا، بلادهم خصبة تنتج اللبان والبخور ووصف مدينة مأرب بأنها محاطة بالأشجار و"ملكهم لا يغادر قصره ويقضي أغلب أوقاته مع النساء" [ملاحظة 4] بينما غالب الشعب تجار ومزارعين في أغلبهم وذكروا أنهم كانوا يزودون سورية بالذهب ولهم ارتباط وعلاقات تجارية وثيقة بالفينقيين وذلك في القرن الثالث ق.م [153] وهذه الكتابات أفضل وأكثر واقعية من تلك التي سبقت حملات الإسكندر المقدوني والتي كانت تصف السبئيين بكثير من المبالغات منها أنهم يمتلكون ثعابين مجنحة لونها أحمر وماإلى ذلك من الأساطير.
مع نهايات القرن الثاني ق.م وفي العام 115 ق.م تحالفت سبأ وحضرموت وأحرقت عاصمة مملكة قتبان تمنع [154] ومنذ ذلك الحين اعتبر اليمنيون عام 115 ق.م مبدأ لتاريخهم فقد كانوا قبله يؤرخون شواهدهم بطرق أخرى اعتمادا على حوادث معينة أو على أسماء الملوك، فيختمون شواهدهم بذكر أن الفعل المعين وقع في سنة الملك الفلاني دون ذكر أي أرقام ولكن ذلك تغير بداية من العام 115 ق.م [154] أما استقلال قتبان فحدث آخر القرن الرابع ق.م وحتى أواخر الثاني ق.م وبعدها اندمجت في سبأ من جديد[155] كان هذا الهجوم بادرة حرب أهلية طويلة بين الحميريين (أبناء الإله عم أكبر آلهة قتبان) والسبئيين والحضارم تبدلت خلالها التحالفات أكثر من مرة ولكن بلا شك أن من الانتقام لقتبان كان أحد أسباب الحميريين لاستمرار القتال [156] كان لهذا الصراع للإنفراد بالملك أثر سئ على اليمن أنهك الممالك كثيراً وانتشرت الأمراض والأوبئة وأطمع الإمبراطورية الرومانية بالـ"عربية السعيدة" [157] فالمنتصر كالخاسر فيها بالضبط فلا دلائل أن أي المتقاتلين كسب مكاسب عظيمة من حربه، فكل كتابة عن نصر ما تُعقب بعدها بانتصار آخر للعدو. ولكن هناك أسباب أخرى لإندلاع الحرب الأهلية قد تتجاوز مجرد الرغبة الحميرية بالانتقام، فقد ضعفت مملكة سبأ في أواخر القرن الثاني ق.م بسبب هبوط تجارتهم البحرية وهيمنتهم على التجارة البحرية على البحر الأحمر[158] فآثر ذلك على مصادر الدخل ودفع اليمنيين القدماء للاعتماد على الزراعة لتعويض خسائرهم من هبوط تجارة البحر مما دفع القبائل للمحاولة على السيطرة على كافة البلاد وإلغاء النظام "الفدرالي" الذي كان سائداً [159]
صعود حاشد
في العام 145 ق.م تمكن زعيم حاشد يريم أيمن من اغتصاب العرش بطريقة ما من كربئيل وتر الخامس وكانت تلك فاتحة سلالة جديدة من الهمدانيين بقيادة "يريم أيمن" وإبنه علهن نفهن [160] وكان "يريم أيمن" الحاشدي قيل ولم يكن ملكاً بدلالة ورود نص دونه بنفسه عن توفيقه في مهمة صلح بين ملوك سبأ وحضرموت وقتبان وختم النص بشكر إله قبيلة همدان تألب ريام أن رفع مكانته عند ملك سبأ "كربئيل وتر يهنعم" (كربئيل وتر الخامس) ويُعتقد أن نجاحه في مهمة الصلح بين الملوك رفع مكانته في أعينهم فطمع بالملك لذلك [161] فقد اختاره الملك كوسيط أو مفاوض عن طرف سبأ مع الممالك المجاورة ولا يعرف كيف ومتى أصبح ملكاً على سبأ ولكن ورود نص دونه زعيم قبيلة همدانية تدعى "يرسم"، يشكر فيه الإله الهمداني "تألب ريام" على سلامة حصنه حصن "ريمان" وأن يبارك في أرضه ومزروعاته وختم النص بأن سأل تألب ريام أن يبارك في ملكي سبئي يريم أيمن وكربئيل وتر الخامس [162] فهو دلالة أنه تلقب الملك أو اشترك في حكم سبأ خلال حياة الملك كربئيل وتر الخامس والملاحظ في النص وغيره من النصوص الأخرى المكتشفة في هذا العهد أن اسم يريم أيمن يسبق اسم الملك الأصلي على سبأ وهناك نصوص أخرى ذكرت يريم أيمن وحده دون ذكر كربئيل وتر الخامس بل اكتفت بذكر تألب ريام إله الهمدانيين دون باقي الآلهة وهو ماله دلالات عديدة أهمها أن الهمدانيين كانوا متربعين على عرش سبأ من أيام وهبئيل يحز وأن أبناء همدان كانوا يتيمنون بأسماء أقيالهم ويتجاهلون الملوك الضعفاء[163]
وبالفعل فقد كان ليريم أيمن ابنان هما علهن نفهن وبارج يهرجب (بارج يرجب) وكان لكربئيل وتر ابن واحد هو فارع ينهب الذي كان والد إيلي شرح يحضب زعيم بكيل الذي ظهر في النصف الثاني من القرن الأول ق.م وهي دلالة على نزاع بين الهمدانيين على عرش سبأ. ورد نص مدون من شخص يدعى "هعَّان أشوع " من "آل يدوم" يصف فيه زعيم همدان بلفظة "أميرهمو" (أميرهم) وكان المقصود ابن زعيم حاشد "يريم أيمن"، وجاء في الكتابة عن شكر "هعَّان" هذا لإله قبيلة همدان تألب ريام على نجاته في كل غزوة غزاها وأن يهلك ويكسر ويصرع كل عدو لشعبهم "حشدم" (حاشد)[164] لا يعرف الكثير عن فترة حكم يريم أيمن كملك ومتى خلفه ابنه علهن نفهن هذا (علهان نفهان كما قرأها أبو محمد الهمداني) فالنص الذي دونه "هعان أشوع" يشير إلى أنه كان أميراً. وصل علهان نفهان هذا لسدة الحكم وأشرك ابنه "شاعر أوتر" في الحكم. كانت البلاد تمر بفترة عصيبة وتقلص ملك سبأ كثيراً ونشبت الحروب والنزاعات بينها وبين الحميريين والحضارم.
حاولت حاشد تثبيت ملكها عن طريق تقوية تحالفها مع مملكة حضرموت فقد ورد نص تعبدي من "علهن نفهن" ابن "يريم أيمن" يدعو فيه إلهه "تألب ريام" أن يمن عليه في المفاوضات مع ملك حضرموت "يدع أبو غيلان" حتى "يتآخيا تآخيا تاماً" (يصبحوا إخوة) ضد "ذو ريدان" (حِميَّر) وكانت المفاوضات بين همدان وحضرموت تجرى مكان يقال له "ذات غيلن" (ذات الغيل) [165] هاجم الهمدانيون حمير من الشمال وساندهم الحضارم من الشرق وهُزم الحميريين في موقعة "ذات عرمن" (ذات العرم) [166] وورد نص آخر لنفس الملك يصف معركة بين همدان و"ذي خولن" (خولان و"عميانس بن سنحان") و"ريدان" بقيادة رجل حِميّري أو حليف لهم يدعى "سبت بن عليان" وانتهى النص بشكر تألب ريام على توفيقه للهمدانيين في المعركة وتخريب حقول الخولانيين وتقديمهم لأبنائهم رهائن مقابل الولاء [167] وقبيلة خولان قبيلة حِميَّرية بينما سنحان عند الإخباريين من مذحج ولكن من نصوص خط المسند يظهر أنها وخولان من أصل واحد فلا يوجد نص يشير لخولان إلا وأشار إليهم [168] كان هناك زعيم قبلي آخر من همدان ومن بكيل تحديداً وهو "أوسئيل رفشان" الذي تصفه نصوص خط المسند بأنه قيل "شبام أقيان" ويُعتقد أن المقصود بـ"شبام أقيان" هو شبام كوكبان في محافظة المحويت حالياً ولا زال غالبية سكانها من بكيل[169] شن أوسئيل هذا غارة على "عربن" (بدو) ما ولم يسميهم وختم النص بشكر "تألب ريمم" (تألب ريام) على توفيقه في "تأديبهم" [170]
ورد نص آخر لزعيم همدان "علهان نفهان" هذا يدعو فيه إلهه لتوفيقه على عقد تحالف آخر مع الحضارم وسبب ذلك أن ملك مملكة حضرموت "يدع أبو غيلان" كان قد توفي وخلفه ابنه "يدعئيل"[171] وهي دلائل أن الهمدانيين وإن لقبوا أنفسهم بملوك سبأ فإن أسر أخرى كانت تهددهم ورأوا في الحميريين أكبر أعدائهم. قام الملك شاعر أوتر وهو ابن "علهان" المذكور آنفاً، بتقديم ثلاثين تمثالا من الذهب للإله تألب ريام لتوفيق همدان بعقد تحالف ثان مع حضرموت ضد حمير [172] لقب شاعر أوتر هو من حاشد نفسه بـ"ملك سبأ" ولم يشر لذو ريدان (حِميَّر) وهي دلالة أنه رغم الانتصار في "ذات عرمن" وعلى خولان وسنحان لم تُخضع حمير بعد ولكنه ذكر قبيلة سبئية قديمة اسمها "فيشان" كان لها الملك على سبأ ومنهم عدد كبير من المكاربة، بأنهم من "آدمهمو" (عبيده) [173] وادعى أن الإله إلمقه أمره بمحاربة الحميريين في حريب وهو موقع في محافظة مأرب وانتصرت همدان في هذه المعركة كذلك [174] فهم ورغم جحود القبائل لهم كانوا أقوى الإتحادات القبلية في تلك الفترة وأكثرها تنظيماً [175]

تمثال عثر عليه في قرية الفاو عاصمة مملكة كندة والقرص على الرأس هي إشارة للشمس والوعل الصغير تعد إشارة رمزية للإله عثتر
تبدلت خارطة التحالفات وورد نص عن معركة بين همدان ومرتزقة تابعين لملك مملكة حضرموت انتهت بانتصار همدان واستيلاء شاعر أوتر على "شبوت" (شبوة) و"ذات غيلم" (ذات غيل) و"ذات غربن" (ذات الغرب) وتعيين "مقتوى" (ضابط) يدعى "سعد أحرس" لمراقبة الحدود ودون "سعد أحرس" هذا كتابة يحكي فيها غزوة قام بها على موقع يقال له "صوارن" في مديرية القطن حاليا في حضرموت غنم منها غنائم كثيرة وشكر إلهه "تألب ريام" على شفائه من جروح أصابته في المعركة [176] ووردت كتابة أخرى تحكي المعارك مع حضرموت بقيادة ثلاث قوات برية وواحدة من البحر بقيادة "مهقب بن وزعان" و"ظبن أثقف" و"أسد بن أسعد" و"هيثع بن كلب" وكلهم شكروا إلههم إلمقه على الغنائم التي غنموها في شبوة وقنا وتجاهلهم للإله تألب ريام (إله قبيلة همدان) يدل أنهم لم يكونوا همدانيين بل من قبائل أخرى محالفة لهم [177] حاول شاعر أوتر الاستيلاء على ظفار (في سلطنة عمان حاليا) من مملكة حضرموت وتوجه بنفسه وخاض عدة معارك ضد الحضارم وانتصر فيها إلا أنه فوجئ بقوات بدوية موالية لحضرموت فاضطر للتراجع إلى مأرب [178] ولكنه سيطر على "شبوت" (شبوة) وهي عاصمة مملكة حضرموت [179] وأرسل قائد جيوشه المدعو "سعد أحرس بن غضب" لبسط سيطرته على ظفار[180] يبدو أن المعركة مع حضرموت كانت فاصلة فسيطرت همدان على الحميريين وعلى شبوة عاصمة مملكة حضرموت وانضمت كل القبائل ودانت بالولاء لملك سبأ[181] ودلالة سيطرته على الحميريين هو إضافته لـ "ذو ريدان" للقبه الملكي فأصبح لقبه في النصوص "شاعر أوتر بن ذي بتع بن حشدم ملك سبأ وذو ريدان" (شاعر أوتر من ذي بتع من حاشد ملك سبأ وحمير) [182]
بعد تمكن همدان من الحميريين وجه شاعر أوتر قوة بقيادة قائد اسمه "أبو كرب بن أحرس" نحو "نجرن" (نجران) و"أشعرن" (الأشاعرة) وانتصر في المعارك واستطاع إخضاع التمرد ثم توجه نحو "ربيعة آل ثور" بعل قريتم ذات كهلم وملك كندت وقحطن" (ربيعة آل ثور سيد قرية كاهل (قرية الفاو) وملك كندة وقحطان) انتهت المعارك باستسلام ملك مملكة كندة في نجد واستيلاء الهمدانيين وأحلافهم على أموال وخيول كثيرة [183] وقد ورد نص مقتضب للكندي يشكر فيه إلهه إلمقه على توفيقه في معركة ما لصالح ملك سبأ شاعر أوتر وهو نص مقتضب للغاية ولم يورد فيه أي تفاصيل [184] انضمام قبيلة كندة المسيطرة على قرية الفاو حينها إلى تحالفات ضد السبئيين أدى إلى اضطراب سلامة القوافل الخارجة من اليمن أو العائدة عليه. فقرية الفاو كانت محطة إستراتيجية للقوافل وكعادة النصوص السبئية فإنها لا تعطي سببا للحروب والاضطرابات وتكتفي بذكر الوقائع. وكانت العلاقة بين مملكة كندة وممالك اليمن علاقة شد وجذب فقد غزت أراضيهم من قبل السبئيين والمعينيين كذلك غير مرة وكانت هي نفسها تغزو هذه الممالك وظهر ذلك جليا خلال مساعي الحميرييين لإسقاط سبأ رغم أنهم سبئيين، فالنصوص المسندية تشير إلى بني كندة ومذحج صراحة بلفظة "أعرب سبأ" أي أعراب أو بدو سبأ [185] ولم تكن النصوص السبئية تشير إلى ملوك كندة ومذحج بشكل إيجابي دائماً وبالذات تلك المدونة من ملوك همدان والعلاقة بين كندة ومذحج وثيقة للغاية فلم يُكتشف نص يشير إلى معركة بينهم بل على العكس كل الانتصارات وكل الهزائم تظهر أنهم كانوا أشبه بجسم واحد في تلك العصور القديمة[186]
شن حميري من خولان هجوماَ على مأرب وخرب معبد الإله إلمقه فأرسل شاعر أوتر قوة ضد خولان أنزلت بهم خسائر كبيرة وختم النص بأن ماحل بقبيلة خولان جزاء وعقاب من الإله إلمقه [187] رغم عداوة الحِميَّريين فقد ساعدهم الحاشدي في غير موضع، إذ حاول الأحباش على الضفة المقابلة استغلال الاضطرابات ليجدوا لهم موطئ قدم فقد أعتقدوا أن تردي الأوضاع هذا سيمكنهم من التوسع فورد نص أنهم حاولوا مهاجمة الحميريين فأرسل شاعر أوتر قوة لتعقبهم[188] ويستدل على ذلك أن ضابطا يدعى "لحيثعة يرخم" حارب "نجشن" (النجاشي) الذي "تطاول على أسياده ملوك سبأ" كما يُقرأ من النص، فحاربهم لحيثعة هذا من "بحرن ويبسن" (البحر واليابسة) وقطع رؤوس أربع مائة رجل منهم وتعقب منهم من احتمى في عسير وذكر أنه توجه نحو "جدرت ملك حبشت" (جدرة ملك الحبشة) وفيها دلالة أنه سلك البحر نحو أراضيهم وختم النص بأن قدم تمثالا للإله المقه أن من عليه بغنائم كثيرة ومنحه أرضا خصبة طيبة وسأله أن يمن عليه وعلى أرضه وأراضي قبيلته بالبركة في فصول الصيف والشتاء [189] على آخر أيام شاعر أوتر، ظهرت أسر أخرى تشارك حاشد لقب "ملك سبأ وذي ريدان" ،أسرة من بكيل بقيادة "إيل شرح يحضب" وشقيقه "يآزل" وأسرتين حِميَّريتين واحدة بقيادة "لعزز يهنف يصدق" (العزيز يهنف يصدق) وأخرى بقيادة "لحيثعة يرخم" وهي إن دلت على شي إنما تدل على حالة الفوضى والاقتتال التي سادت سبأ منذ أواخر القرن الثاني ق.م وتوفي شاعر أوتر قرابة العام 60 ق.م [7]
صعود بكيل

أحد أبواب قصر غمدان الذي بناه زعيم بكيل إيلي شرح يحضب
انتقلت زعامة همدان إلى بكيل وكانوا متواجدين في "هجر صنعو" (مدينة صنعاء). في تلك الأيام، كانت حِميَّر منقسمة لثلاث أقسام، قسم أُجبر على محالفة شاعر أوتر، وقسم أُجبر على محالفة إيلي شرح يحضب وقسم ثالث بقي مستقلاً واستمر في قتال زعيمي قبيلة همدان [190] كان إيلي شرح يحضب ملكاً محارباً وقد وردت نصوص سبئية له وهو في شبابه يقاتل إلى جانب أباه وكان عهده مضطرباً كسائر عهد همدان إلى أن طعن في السن وأصيب بالأرق قبيل وفاته لكثرة الاضطرابات والمعارك في عهده [191]
هاجم إيل شرح قبائل محافظة ريمة المذكورة في النص باسم "ريمت" وهم قوم من خولان وأنتصر عليهم [192] واجه إيل شرح معركة أُخرى مع قائد اسمه " صاحب بن جياش" ولايعرف من أي قبيلة كان إلا أن خاض معارك ضارية مع همدان واستمرت فترة من الزمن ولم يخرج إليه إيل شرح بنفسه بل أرسل قائدا من حاشد لتولي المعارك وانتهت بانتصار "نوف" القائد الحاشدي المكلف وتقديم رأس ويدان "بن جياش" إيلي الشرح يحضب في صنعاء [193] عاد الحميريين من جديد بقيادة "شَمَّر ذي ريدان" واقتتلوا في عدة معارك مع إيلي شرح يحضب وأنصاره كانت الغلبة فيها لهمدان كما يتضح من النصوص التي دونوها بأنفسهم ودونوا كتابات كثيرة لمواضع لا يعرف عنها شي في العصر الحالي ولكن لا دلائل أن شمَّر الحميري كان قد قُتل [194] وعاد ليتحصن في صنعاء، وكلمة صنعاء أو "صنعو" تعني الحصن حرفيا ولا بد أنها كانت حصنا منيعا للغاية[156] استغل شمر عودة إيل شرح إلى صنعاء ليتصل بـ"أكسمن" (مملكة أكسوم) وفي خطوة اليائس، طلب منهم الدعم ضد قبيلة همدان [195] ويبدو أن إيلي شرح يحضب كان على دراية بخطة شمَّر فخرج على رأس ألف وخمسمائة فارس وستة عشر ألف راكب على الجمال لاحقت الحميريين في ذمار وفي عسير بقيادة إيل شرح نفسه بينما وجه قوات أخرى من همدان تضم ألف وستة وعشرين فارس للتصدي للإمدادات القادمة من أكسوم لمساعدة الحميريين وذكر في نص أنهم أسروا وفر منهم من فر "خائبا" على حد تعبير كاتبه [196] وقد كانت مملكة أكسوم قد ظهرت حينها وحاولت استغلال الحرب الأهلية وحالة الاقتتال والنزاع لإيجاد موطئ قدم لها في اليمن بدعم وإيعاز من الإمبراطورية الرومانية [190] فبعد اكتشاف الرومان للرياح الموسمية وتضآءل تجارة السبئيين البحرية وإنخراطهم في نزاعات وخصومات ضارية، قرر الرومان أن يجعلوا منهم "أصدقاء" وهي ليست صداقة بل أرادوا إخضاع سبأ وكل أراضيها واليمن كافة لحكمهم إما مباشرة أو من خلال حكومة "صديقة" [197]
وقد اشتبك إيلي شرح يحضب مع خمسة وعشرين جماعة، بدأ بحملة على الحديدة أقرب مناطق اليمن لباب المندب وهي في تهامة ثم أكمل مسيره شمالا لعسير (جرش كما تعرف في نصوص المسند) وخاض معارك ضد قبيلة عك وهي تهامية قديمة يعدها أهل الأخبار من الأزد، و"أحزب حبشت" حتى جبل جمدان وهو موقع في محافظة خليص شمال جدة في السعودية حالياً فقد وقعت تلك المناطق تحت حكم الأحباش من زمن طويل بدلالة أن اليونان ذكروا أن ساحل "Cinaedocolpitae" (كنانة) بين مكان يدعى "يمبو" و"leith" (محافظة الليث) كان خاضعا للأحباش [198] وذكروا أن تحت ساحل كنانة هذا مملكة معين ومن ثم مملكة سبأ [199] كتب التراث ذكرت أن قريش كانت تسمي بني الحارث بن عبد مناة و"بني المصطلق" وبني الهون وهم من كنانة بالأحابيش وهي دلالة على خضوعهم للأحباش وإختلاطهم بهم [200] ولكنهم لم يذكروا شيئا عن سبب التسمية ولا عن حدود معين وسبأ ولا توجد أبحاث أثرية تطرقت لتاريخ الحجاز فكل مالدى الباحثين حالياً هو كتابات اليونانيين.
على كل حال، أكمل ملك سبأ وزعيم بكيل مسيره شمالاً وأنزل بسكان تلك المناطق خسائر فادحة وغنم غنائم كثيرة من مواشي وأنعام وأسر أعدادا كبيرة وعاد إلى "هجر صنعو" (صنعاء) وقصره قصر غمدان وقدم سكان جبال جمدان في محافظة خليص أطفالهم رهائن عنده مقابل الولاء [201] وتمردت نجران وكثرة النصوص المشيرة إلى حالات تمرد تدل على وهن السيطرة السبئية في تلك الفترة ومع ذلك وجه إيل شرح قوة بقيادة ضابط من حاشد يدعى "نوف" حاصر نجران لمدة شهرين وقتل 924 شخص وأسر 662 وأستبيحت 68 مدينة وأحرق ستين ألف حقل ودفن 97 بئراً وكل ذلك إمعاناً في استذلال أهل نجران حتى خضعوا وقدموا ألف طفل رهينة مقابل ولائهم [202] وذكر إيلي شرح يحضب نجران كاسم قبيلة [203] بعد أن فرغ قام بتوزيع "دلول" (أدلاء) لمعرفة مواقع المنشقين وإخماد أي تمرد فأخبروه أن جماعة منهم لا زالت في عسير وقد حرص هولاء على التمركز في مناطق بعيدة عن نسائهم وأطفالهم حتى لا يأخذهم البكيلي رهائن [204] أمر إيلي شرح يحضب جيشه بقتلهم وتعقب من يحاول الهرب عبر البحر وعندما عاد لم يعد لصنعاء بل إتجه نحو مأرب حيث شقيقه "يآزل"[205] وورد نص لقيل اسمه رب شمس "قول بكل ذي ريدت" (قيل بكيل ذي ريدة ويقصد بها مديرية ريدة حالياً) قدم تمثالين من الذهب للإله إلمقه لإنه مكنه من نصرة سيده إيلي شرح يحضب وأذل أعداءه وأجبرهم على تقديم الرهائن وفروض الطاعة [206] وانتهت ثورة "شمَّر الحِميَّري" وقاد جيش إيلي شرح يحضب بنفسه للاستيلاء على حضرموت [207]
تجمع الحِميَّريين من جديد بقيادة "كربئيل ذو ريدان" ويذكر اليونانيين في نفس الفترة أن حميرياً يدعى "كربئيل" كان مسيطراً على ساحل أفريقيا حتى تنزانيا ولا يُعرف كيف ومتى حدث ذلك إلا أنه دلالة على الهزائم التي لحقت بهم لم تؤثر عليهم كثيراً [208][209] توجه إيلي شرح يحضب مع أخاه "يآزل" نحو العرش وهي موقع في رداع وتراجعت قوات الحميريين إلى إب حيث موطن الحميريين وتحصن كربئيل في حصن يقال له "ظلمان" لا يعرف عنه الكثير حاليا ولكن توجد منطقة في شمال إب تدعى "ظلمة" قرب وادي سحول وإب هي أرض الحميريين وموطنهم [210] طلب إيل شرح من كربئيل الاستسلام إلا أنه رفض فأقتحم الحصن ونهب مافيه وانتهت المعركة باستسلامه ولم يُقتل [211] لا أنه فوجئ بهجوم من قبيلة كندة بقيادة "إمرؤ القيس بن عوف" وذكر أن إلهه إلمقه وفقه في التصدي للهجوم وأسر سيد كندة وقدم تعهداً بعدم التمرد على الإله إلمقه وفيه دلالة على طبيعة الحكم الكهنوتية لمملكة سبأ فالخروج على الملك هو خروج على الآلهة وكان سيد كندة شاباً يافعاً[212] وموضع قبيلة كندة حينها كان في موضع يقال له القشم في مأرب [213]
حاكم مصر الروماني
انتصارات إيلي شرح يحضب لم ترض الرومان وقرر أغسطس قيصر تيسير قوة بقيادة حاكم مصر الروماني أيليوس غالوس للاستيلاء على "العربية السعيدة" وإخضاعها ولاشك أنهم أتصلوا بالأكسوميين في الضفة المقابلة للمساعدة ويُعتقد أنهم حاولوا الاستفادة من الشقاق الحِميَّري وكانوا على علم ودراية به[214] ولكن رغبة الرومان باحتلال جنوب شبه الجزيرة العربية تعود إلى أيام الإسكندر المقدوني ولكنه توفي قبل تحقيق مسعاه فحاول أغسطس قيصر استكمال رؤيته [215] ورد نص لإيلي شرح يحضب ولا شك أنه عاصر الحملة الرومانية بدلالة ورود اسمه في كتابات سترابو مرافق أيليوس غالوس والذي حاول تبرير إخفاق الحملة بشتى الطرق والأساليب وهناك اتفاق بين باحثي العصر الحديث على لجوءه للكذب والتبرير وإيجاد الأعذار لصديقه غالوس وإلقاء اللائمة على دليلهم النبطي "صالح" لإن سترابو كان مؤمنا بالتفوق والسمو الثقافي والعرقي للرومان على سواهم من الناس[216][217] ولم تكتشف كتابة بخط المسند عن هذه الحملة ويأمل الباحثون باكتشافها يوماً ما ولكن ورد نص لإيل شرح يشير لقوة غريبة معادية "تجرأت على آلهة سبأ" وشكر إيل شرح الآلهة وأمر شعب سبأ بشكرها على نجاتهم منها وتصديه لها [218] وضع اليمن كان مضطربا فيحتمل أن الجيش الروماني عاد بفعل العطش فعلا ولكن الماء الناتج عن سد مأرب وفير وقد ذكر سترابو أنهم حاصروا مأرب ستة أيام فالوصول للماء كان متاحاً مما يضعف التبرير الذي وضعه سترابو [219] وقد ذكر سترابو أن عشرة آلاف عربي تصدو للرومان في اليمن وهو عدد ضخم وذكر أن الرومان قتلوهم جميعاً وهي مبالغة وكذب واضح[220] فإن قتلوا هذا العدد الضخم لبقيوا في اليمن ولا مبرر لإنسحابهم [221] توفي إيلي شرح يحضب بعد مرض أصابه بدلالة ورود نصوص عديدة من أنصاره تتضرع الآلهة بحفظه وشفائه وتوفي إيل شرح في العام 20 ق.م أو بعده بقليل أي بعد عدة سنوات من حملة أيليوس غالوس والتي كانت بالعام 25 ق.م [222] وقد أشار القرآن إلى قدرات الجيش السبئي في سورة النمل عندما طلبت ملكة سبأ المشورة من "الملأ" حول الرد المناسب لرسالة الملك سليمان إليهم فردوا عليها قائلين وفقاً للقرآن :﴿قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾ [27:33] وإن لم يُعثر لهذه الملكة ولا لسليمان أثر. ولكن حظ إيلي شرح يحضب وافر في كتابات أهل الأخبار فقد كانوا يعرفونه بل جعلوه والداً لبلقيس إذ زعموا أن اسمها "بلقيس بنت إيلي شرح" ولا شك أنهم قصدوا بذلك إيلي شرح يحضب [223][224] فجعلوه معاصراً لسليمان وهو لايصح بكل حال فسليمان إن وجد له أثر، عاش في القرن العاشر قبل الميلاد أي أيام فترة الكهنة على سبأ وليس القرن الأول ق.م[225]
كان عهد همدان مليئا بالاضطرابات وترك أثرا بالغ السوء على اليمن إذ تصحرت الكثير من الأراضي الزراعية نتاج نزاعات وحروب القبائل حتى أن زعيمهم أصيب بالقلق والأرق أو "مقيظ" بلغة السبئيين واضطر الكثير من المزارعين إلى الرحيل وترك أعمالهم نتاج الاضطراب وقسوة ملاك الأراضي عليهم [226] كلفت هذه الحروب والمعارك للإنفراد بالملك البلاد ثمناً باهظاً، أهلكت الأرواح وأجدبت الأراضي لإنشغال القبائل بالقتال عن الزراعة والإنتاج وأثرت على نفسيات الناس ونغصت عليهم معيشتهم بدلالة كثرة النصوص التي تسأل الآلهة أن تمن عليها بوقف الاقتتال على أرض سبأ [227]
هجوم على محرم بلقيس

"محرم بلقيس" والحقيقة أن لا علاقة لبلقيس بتسمية الحرم عند السبئيين إنما التصقت به التسمية عند العامة واسمه السبئي معبد برأن أو "محرم برأن" وتعني معبد البراء
حكم وتر يهأمن وهو ابن إيلي شرح يحضب ووردت عدة نصوص في عهده منها نص لإخماد تمرد جديد من خولان ونص آخر لأقيال قبائل يشكرون آلهتهم على إتمام بناء صهريج للمياه وختموا النص بذكر اسم الملك ونصوص أخرى لأناس تطلب الآلهة أن تمن عليهم بأبناء ذكور [228] استمر الملك في بكيل وخلف الملك "نشأ كرب يهأمن" والده وتر يهأمن وكان عهده مستقراً وبدأ الناس بالعودة إلى وضعهم الطبيعي بعد الحرب بدلالة النصوص التي تتحدث عن شكر الآلهة لإنهم أجابوا طلبات الناس وتقديمهم تماثيل من ذهب وفضة[229] ولكن ورد نصان عن تمرد الأول من حضرموت وكان صغيراً للغاية ولم يدونه الملك بل "مقتوى" (ضابط) قدم تمثالا من الذهب على قتله رجلين من هناك وإخماده للتمرد[230] ولكن هناك نص يشير إلى قبائل تذكر أول مرة في نصوص المسند هي قبائل " حكم وقبيلة اسمها "غمد" وقبائل أخرى لا يعرف عنها شي حالياً امتنعوا عن دفع الضرائب فأرسل الملك قوة عسكرية كبيرة أخذت منهم غنائم وأسرى[231] حكم قبيلة معروفة من مذحج وأحدهم الحكمي أما "غمد" فلم يورد المستشرق باحث النص رأيا فيها.
في العام 30 بعد الميلاد، ظهر اسم ملك يدعى "ذمار علي بين" حكم لمدة خمسة عشرة سنة ولا يُعرف عنه الكثير [232] خلفه ابنه كربئيل وتر يهنعم وعثر على اسمه منقوشاً على عدة عملات نقدية وحكم حتى السنة 75 للميلاد ثم حكم بعدها ذمار علي ذارح لمدة خمس سنين ولا يعرف عن هولاء الملوك الثلاث الكثير ولكن ورد نص عن تمرد في مأرب ضد ذمار علي ذارح بقيادة رجل يدعى "لحيثعة بن هميسع" من قبيلة "شداد" وهي أحد قبائل مذحج، قام لحيثعة هذا باقتحام قصر الحكم في مأرب واحتمى بداخله ولم يرد أن الملك ذمار علي ذارح أصيب بأذى وهي دلالة أنه لم يكن متواجداً في مأرب حينها[233] تصدى له ضابط سبئي يدعى "أوسئيل" (أوس إيل) وحرر القصر وأرسل قوة لتعقب ثلاثمائة مقاتل تابعين لقائد التمرد فروا من مأرب وختم النص بشكر الإله إلمقه على توفيقه في بعث السرور على قلب ملك سبأ وذو ريدان لإنه أفنى وقتل كل المتمردين وكان أوسئيل هذا من غيمان وفيه دلالة على استمرار نفوذ همدان [234] لكن الباحثين ليسوا متأكدين حول قبائل هذه الملوك بصورة دقيقة. ملك بعد ذمار علي ذارح ابنه كربئيل بين وورد نص عن رجل من قبيلة اسمها "هلال" اسمه "حرب" على شفائه من مرض أصابه بعد معركة في حضرموت [235] خرجت حضرموت بقيادة "يدعئيل" وتحرشت بمواضع سبئية في محافظة الجوف واستولت على مدينة براقش فأرسل الملك كربئيل بين قوة بقيادة رجل يدعى "ثوبان" وجاء في نص حضرمي أن "منذر" (جاسوس) أبلغ الحضارم عن المدد فتحصن الحضارم في براقش وأرادوا استدراج الملك إليهم وبالفعل خرج لهم بنفسه فهاجم الحضارم مأرب وأرادوا تخريب معبد برأن أو "محرم بلقيس" كما يسميه اليمنيون اليوم [236] كلف ذلك الهجوم الحضارم ألفي رجل منهم وأمر كربئيل بين بالاستيلاء على كل أموال وخيول وجمال الحضارم ومقاتلة كافة عشائرهم حضراً وأعراب [237] توجد فجوة بعد هذا الانتصار إذ ظهرت أسرة حميرية جديدة قرابة العام مائة للميلاد وهي أسرة ياسر يصدق الأول والتي من سلالته كان ملوك مملكة حمير ولكن لم تستسب الأمور لهم بعد فقد جابهتهم ثورات عديدة من أسر وقبائل مختلفة كلها تطمح للسلطان أو الثأر لهزيمة لحقت بها فأصبحت البلاد مسرحاً للعبث لا تخمد حرب إلا وتقوم أخرى [238]
المراحل الأخيرة
ورد نص لأقيال قبيلة من بكيل يشكرون الآلهة على إتمامهم بناء "معهر" (مجلس استشارات) وختموا النص بذكر اسم الملك "ياسر يصدق ملك سبأ وذو ريدان" وهو دلالة على خضوع بكيل وهم قبيلة سبئية للحميريين أخيراً[239] وياسر يصدق هو والد ذمار علي يهبر الأول [240] قام ذمار بإنشاء سد في أبين وأسماه على اسمه[241] وحكم بعد ذمار علي يهبر ابنه ثارن يعب ولا يعرف عنه شي وخلفه ابنه ذمار علي يهبر الثاني ومن ثم شمَّر يهرعش الأول ولا يعرف الكثير عنهم سوى ورود أسمائهم على عملات نقدية وعثر على كتابة تشير لذمار علي يهبر الأول في صنعاء وهي دلالة على سيطرته على أقوى مراكز الهمدانيين [242] وأرسل ثارن يعب هذا مبعوثين لحضرموت لتهنئة ملكها الجديد في احتفال التنصيب [243]
إلى سنة 160 - 180 بعد الميلاد تقريبا، كانت أسرة من الحميريين على عرش سبأ ثم أجلتها أسرة من حاشد وكيفية حدوث ذلك غامضة حالياً وأول ملوكهم بعد جلاء الحميريين كان الملك رب شمس بن نمران وحكم لعشرين سنة[244] ورد نص يشير إلى قبيلة اسمها "بلجرش" يعتقد أن لها علاقة ببلجرشي وخاض الملك الحاشدي "رب شمس نمرن" معركة ضدهم ودون "المقتوى"(ضابط) نصا يشكر فيها الآلهة المقه وذات بعدان عن توفيقه في الغزوة ونجاته من مرض كان قد عم في البلاد حينها وكان القائد على رأس الكتيبة رجل يدعى "عبد عثتر" [245] ويعتقد الباحثون أن وباء ما انتشر في الجزيرة العربية قادما من الهند[246] وبالفعل وردت عدة نصوص لآناس تشكر الآلهة على نجاتهم من "خوم" (وباء) و"موت" [246] حكم بعد رب شمس ملك يدعى "سخمان يصبح" عثر على بضعة كتابات تشير إليه وقد أصابها التلف [247] ثم حكم بعده سعد نمران حتى العام 245 بعد الميلاد [248]
ثم وصلت أسرة حميرية لسدة الحكم من جديد لأسباب غامضة بقيادة العزيز يهنف يصدق والذي كان والد ياسر يهعنم (ينعم) وجد شمر يهرعش الذي استطاع إخضاع القبائل ويعد مؤسس مملكة سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت (المملكة الحِميَّرية) وذلك عام 275 ميلادية ودخلت البلاد مرحلة جديدة وهي مرحلة الحكم المطلق للحميريين [249][250] فقد أرسل شمّر قوات من خولان نحو "جرش" (عسير) عسير لإخماد تمرد انتهى بإخضاع تلك القبائل وجلب قائد الكتائب "باهل أسعد " لألفين وأربعمائة أسير عسيري إلى مأرب [251] ووجه قوة أخرى من "سفيان" وهم حاليا أحد قبائل خولان كذلك نحو همدان وأخضعها وشكر السفياني الألهة أن منت عليه في مهمته التي كُلف بها وأن مكنه من تقوية سد مأرب وفي إقامة حواجز وموانع تمنع لتحول بين السيول وإكتساحها المدن إرضاء لسيده شمّر [252] وقد استفاد شمّر من كندة ومذحج خلال مساعيه لضم حضرموت ومن ثم تخليص نجد والبحرين والإحساء من المناذرة في مرحلة متقدمة من عهده [253] فكندة ومذحج أعراب أشداء ويحبون الغزو والقتال ويجيدونه وأستفاد منهم ملوك حِميَّر لتخويف أعدائهم بهم[254]
وبذلك انتهى عهد مملكة سبأ وقامت مملكة حمير بعد ما يقارب ألف ومائتان سنة تخللتها سنوات غير قليلة من النزاع والاقتتال والصعود والهبوط ولا زال المكتشف يمثل نسبة ضئيلة من هذا التاريخ الذي يكتنفه الظلام من كل جانب، وهناك اختلاف كبير بين الباحثين في تأريخ الكثير من النصوص المكتشفة وتوجد فجوات كثيرة في التسلسل التاريخي للأحداث. فالآثريين وعلماء الإنسان أعادوا كتابة تاريخ اليمن من المذكرات التي تركها رحالة مثل إدورد جلازر وجوزيف هاليفي ولم يكن هولاء ضمن بعثة أثرية منظمة وتتعرض الحملات الاستكشافية الحديثة لعدة معوقات أبرزها الوضع الأمني المضطرب في اليمن ويأمل الباحثون إمكانية إجراء أبحاث جديدة تساهم في سرد تاريخ البلاد القديم بشكل أدق وأوضح 

شاهد قبر لامرأة سبئية ثرية اسمها "غليلات" وفي الشاهد مايساعد على فهم طبيعة المجتمع من العبيد والخدم حولها والكراسي التي كان يستخدمها السبئيون وتصميمها
كان نظام الحكم عشائريا بدأ بالكهنة أو المكاربة ثم إلى الملوك ويعد كربئيل وتر مؤسس المملكة الحقيقي والذي ادعى أن الآلهة أمرته بشن غزواته والتي سيطر من خلالها على مصادر اللبان والبخور ووصل إلى ظفار وثبت نفوذه في الضفة المقابلة في إثيوبيا فإزداد ثراء مملكته وكل ذلك بإيعاز من الآلهة بالطبع [256] وأقيم نظام يمكن تسميته بفدرالية فقد أوغل كربئيل في القسوة ضد أعدائه ووضع رؤساء على الأراضي التي استولى عليها من مملكة أوسان، لم يكن هولاء الرؤساء سبئيين بل من صميم الممالك والإقطاعيات التي دمرها. كما أنه رد أراضي حضرموت وقتبان لملوكها زاعما أن إلهه المقه أمره بوهبها إلى الإلهين سين وعم وهم أكبر ألهة الحضارم والقتبانيين. في نفس الوقت، أقدم كربئيل على هدم أسوار هذه المدن الممنوحة لهم بينما حرص على تقوية تحصينات مأرب والجوف والإقطاعيات التي سجلها باسم سبأ وباسم قبيلته فيشان. والسبب في ذلك هو ضمان سيطرته على حضرموت وقتبان فلا يقومون بتقوية حصونهم ومن ثم مهاجمته [257] الملاحظ في طريقة الحكم هو العقلية القبلية الإقطاعية وهو أمر كان موجودا في كثير من المجتمعات القديمة وإن كان كربئيل وتر استثنائا لمن أتى بعده من الملوك. فقد عمد كربئيل على إضعاف زعماء القبائل المنافسة بكل الأشكال واستخدم الإرهاب والقسوة المفرطة لتحقيق ذلك إلا أن أبنائه كانوا أكثر مرونة منه وأسسوا المجالس المحلية المكونة من "ثمينتن" (ثمانية) في كل مقاطعة مهمتها اقتراح القانون وتقديمه للملك نفسه وفي حال الموافقة يدرج اسم الملك وأسماء أعضاء المجلس الذين يكونون من أقيال القبائل عادة في نص القانون. نصوص خط المسند لا تعطي تفصيلا واضحا لنظام الحكم والقوانين ولكن استنبط من بعض الكتابات المكتشفة عددا من الأحكام والشرائع وكلها تدرج اسم الملك وأسماء زعماء القبائل الموافقين على القانون ممايدل على وجود نظام تشريعي من نوع ما لم يقف الباحثون على ماهيته بعد. وهناك إشارات عديدة لضرائب يدفعها ملاك الأراضي والتجار للدولة وهي من أهم الدلائل على الحضارة، فالمجتمعات التي لا تدفع الضرائب لا يمكنها بناء أي حضارة فالضرائب أحد اللبان الأساسية لأي مجتمع متحضر 
اليونان كتبوا عن ذلك ولكن لا يمكن الاعتماد على كتابتهم كليا، فهي أشبه بقصص السياح والتجار ولم تكن بتمحيص وتدقيق وقد تتعرض للمبالغات أو الأخطاء، إلا أن سترابو ذكر أن هناك قانونا صارما يمنع تغيير المهن وأن كل عائلة أو طبقة ملزمة بوظيفة ما، فالمزراع لا يمكن أن يكون تاجرا على سبيل المثال ويسري هذا القانون على أبنائه وفقا لسترابو [259] ولا شك أن النظام كان ملكيا وقد يشرك الملك أبنائه أو إخوته في الحكم ولا يجد حرجا في تدوينهم لكتابات يصفون فيها أنفسهم بملوك أو مكارب سبأ ولكنهم كانوا يحسبون حسابا لأقيال القبائل فتركوا لهم تسيير شؤون مقاطعتهم بل وردت نصوص تظهر ضعفا من بعض الملوك اتجاههم [260] وكانت الدولة تضم قبائل عديدة وتُعرف القبيلة في نصوص خط المسند باسم "شعب" فذٌكرت ألفاظ من قبيل " سبأ وأشعبوهمو" وتعني سبأ وقبائلهم [261] وكان المجتمع طبقياً بامتياز فهناك الكهنة وهم غالب الملوك ثم موظفي الدولة المقربين منهم كالمسؤول عن الضرائب في المعبد ويشاركهم المنزلة زعماء القبائل ويشار للزعماء أو المشايخ أو "أبعل" أو "أسود" وكلها صيغ جمع لمصطلحات قيل وبعل وسيد ثم بقية الشعب ويقال لهم "جوم" والجيم تنطق مصرية في لغة السبئيين وأدنى طبقة كانوا العبيد ويشار لهم بلفظة "آدم" أو "عبد" [262] وكان الملك محصورا في أسر معينة ولا عبرة لما ورد في كتب النسابة وأهل الأخبار أن الملوك في اليمن كانوا لا يتجاوزون مخاليفهم وقد قصدو بذلك الأذواء وهم من عظم شأنهم في عصور متأخرة قبيل الإسلام على حساب مركز الدولة، أما الأصل في نظام الحكم فقد كان الملكية التي تورث للأبناء أو الإخوة يليهم هولاء المشايخ والأذواء [263] بشكل عام، عاش الشعب اليمني القديم في قرى زراعية ومدن صغيرة تحيط بها جدران دفاعية. وقد اكتشف علماء الآثار الفرنسيون أن المنازل المتعدد الطوابق تشبه المنازل التي ينظر إليها في اليمن اليوم. في أوقات مختلفة عبر التاريخ القديم، قد تشكل القبائل تحالفات قوية وتطيح بالأسر الحاكمة وتم تشكيل اتحاد كونفدرالي سبا، قتبان، مملكة معين، وحضرموت [264] كان السبئيون يستعملون تقويماً شمسياً للزراعة، إذ كانوا يزرعون ويحصدون في شهور معينة ويدفعون الضرائب للدولة في مواسم ثابتة وأسماء الشهور لديهم كانت متصلة بحالة الجو واستعملوا تقويماً قمرياً للأمور التجارية 
الجيش
يسمي السبئيون الحرب بألفاظ "حرب" و"ضرو" و"غزت" و"هغر" (بمعنى سيغير) ويصفون المعركة بلفظة "حربت" (حربة) و"حريب" لوصف مجموعة من المعارك ولفظة "تأدم" بمعنى استعد للقتال [266] ويقال للحملة "مسبأ" [267] أما الجيش فيشار إليه في النصوص السبئية بلفظة "خمس" و"عسكر" و"أجيش" [268] أما المعسكر فيصفه السبئيون بلفظة "حيرت" (حيرة) [269] ليس من الواضح بعد ماإذا كان لذلك علاقة بمملكة الحيرة.
يتولى إدارة الجيش أناس معينين من الملك ويقال لهم "مقتوى ملكن" (ضابط أو قائد الملك) وللجنود التابعين للدولة لفظة "أسدم ملكن" فكلمة "أسد" بمعنى جندي عندهم ولقائد منطقة معينة "آمر" (أمير) أما قيادة مقدمة الجيش فيقال له "مقدم" [270] كان لزعماء القبائل قواتهم الخاصة من المرتزقة ويسمي السبئيين المقاتلين الغير مدربين "قاسد" وهم المقاتلين الذين يضطرون للقتال ثم يعودون لمزاولة أعمالهم من زراعة وتجارة[271]
الفن والعمارة

صنعاء القديمة، من فحص المواقع الأثارية ووصوف مؤلف الإكليل لمباني كانت لازالت باقية على أيامه يتضح أن الطراز المعماري اليمني لم يتغير كثيرا عما كان عليه أيام التاريخ القديم وعدد من البيوت بصنعاء يحمل جدراناً عليها كتابات بخط المسند [272]

جزء من سطح معمد لمبنى قديم يعود للقرن الخامس ق.م يظهر فهداً يهاجم غزالا. جزء من اللوحة كُسر وآخر أُحرق بسبب الحرب عام 1962
كانت المدن في اليمن القديم كبيرة نسبياً مقارنة بغيرها من المستوطنات في شبه الجزيرة العربية وبُني غالبها بشكل مستطيل وتسمى المدينة "هِجَر" وهي أكبر من "قريتن" (القرية) [273] كل المدن كانت مسورة وعليها أربعة أبراج وبابان متقابلان تفتح أبوابها من الفجر وتغلق مع مغيب الشمس مع بعض استثناءات للعواصم حيث يصل عدد أبواب المدينة إلى ستة أو سبع ويبنى بجانب كل باب برجان حراسة يسهر الجنود على مراقبتها ليلا ونهارا[274] وهذا بالنسبة للأبواب الرئيسية والتي كانت تؤدي إلى ساحة مسورة كذلك بها غرف للجنود ومن ثم باب إضافي يؤدي إلى المدينة [275] أُستخدم الرخام لبناء أعمدة القصور والمحافد وصقلت الصخور بجعل نهايتها متطابقة ليسهل إنطباقها وقاموا بنقر الرخام بالرصاص والحديد لتربط بين القطع فيصمد البناء أمداً طويلاً ولا يسقط [276] أقيمت الأعمدة على قواعد أكبر منها وصب فيها الرصاص لتقوية الدعائم وقد حرص المعماريون على إخفاء هذه القواعد بتزيينها برسومات لوعول أو ثيران وحيوانات لها دلالة دينية عندهم [277] وقد تعمد المعماريون جعل الجدران الخارجية أقرب إلى واجهة الجدران الداخلية في أعالي البناء من القواعد، فتكون المسافة بين الجدارين عند السقف أقرب وأقصر منها عند القاعدة وذلك لأغراض اقتصادية للتقليل من استهلاك مواد البناء [278] وتتكون الأعمدة من ثمانية أو ستة عشر ضلعاً تتكون تيجانها من ست درجات، ثلاث منها على هيئة نصف أسطوانة بطونها إلى الخارج وقاعدتها العمود، وثلاث على هيئة صفائح مستطيلة ذات ستة عشر ضلعًا. وهذا الطراز المعماري الموجود في القصور القديمة يمثل طابعاً عربياً جنوبياً أصيلاً لم يتأثر بالخارج ولكن مع ذلك فقد أخذ السبئيون بعض الخصائص المعمارية من الشعوب التي إتصلوا بها مثل اليونان والمصريين ووجدت آثار محاولات لمحاكاة الطراز المعماري في تلك المناطق [279]
وقد لاحظ الآثريون من فحص لمواقع قديمة أنهم استخدموا حجارة منحوتة بأشكال مربعة لتبليط المدن وقاموا بتبليط الطرق التي تصل المدن ببعضها البعض منها طريق يصل بعضها لأربعة أو خمسة أميال[280] وكانت الطرق داخل المدن مرصوفة بحجارة منحوتة وضعت فوق بعضها وأُستخدم الجبس لتثبيتها وعُثر على آثار لاستخدام الإسفلت [281] العمارة في اليمن القديم وطراز البناء لايختلف كثيرا عن ماهو ظاهر اليوم في اليمن على الأبنية، هناك اختلاف بلا شك ولكن من فحص المواقع الأثرية ووصوف بعض كتب التراث لمباني وقصور في اليمن، يتضح أن الطراز المعماري اليمني القديم هو نفسه مايُشاهد على أبنية البيوت في صنعاء وقد تعرضت الكثير من المباني الأثرية القديمة كقصر غمدان وقصر ذي يهر وقصر ريدان للهدم والإحراق في العصور الإسلامية إما لبناء أبنية جديدة أو لهدف التخريب كما فعل القرامطة بقصر ذي يهر القديم [282] كان غالب البيوت يتآلف من ثلاثة إلى خمسة طوابق كما استنبط علماء الآثار من دراستهم لعمق الحفر التي بنيت عليها البيوت [283] ويوجد جهة أو باحة خلفية لكل بيت تسميها نصوص خط المسند حسب اختلاف اللهجات، فالسبئيون سموها "خلفتن" (خلفية) ووجد بها آثار لزراعة ويطلق على النوافذ لفظة "مصبح" كونها الجهة التي يدخل منها النور أما الزجاج الملون الذي يوضع مكان بعض النوافذ فسماه السبئيون "مولج" ولا زال اليمنيون يستخدمونه ويسمونه "التخريم" وللسلالم التي تقود للطبقات العليا لفظة "علوه" في نصوص خط المسند [284] أغلب البيوت بُني باستخدام الحجارة بعد نحتها ويتم تثبيتها باستخدام الجبس ومادة "الزلت" ويُعتقد أنها الزفت والرصاص ويشار للسقف بلفظة "مسقف" عند السبئيين وتُغطى الجدران الداخلية للمنازل بأخشاب عليها رسومات بدلالة دينية كصور للوعول أو الثيران وتُسمى الزخرفة والتزيين "موسم" بلغة السبئيين [285] وعثر الآثريون على آثار لزيوت طُليت فجوات الحجارة لتقليل الرطوبة وتسرب الماء لداخل البيت [286] وكان الملوك والطبقات الثرية والتجار يكسون أعمدة بيوتهم وأبوابهم ذهبا وفضة [287] عدد من المبان والقصور القديمة أصبح مساجد مثل قصر غمدان والذي أصبح يُعرف بالجامع الكبير وجامع الجند في تعز فهذه المبان لم تبنى بوصول الإسلام إلى اليمن فالملاحظ فيها هو تشابهها مع أبنية المعابد القديمة [288] مبان قليلة للغاية تمت دراستها فأبحاث حديثة وأوسع قد تغير الاستنتاجات الحالية بشأن العمارة اليمنية القديمة [289]
المنحوتات


التماثيل والمنحوتات السبئية تختلف عن الحميرية أو القتبانية إلى حد ما. بشكل عام الفن اليمني القديم كله متشابه خلا بعض الاختلافات في الأساليب. وقد كتب عدد من المستشرقين أن الفنون كانت متأثرة باليونان ومرد ذلك فحصهم لعدد من التماثيل المكتشفة أغلبها حميري وقتباني وهي تشبه التماثيل اليونانية كثيرا ولكن المكتشف قليل ولايفيد بتكوين صورة مكتملة عن الفنون اليمنية القديمة، فبعضها يشبه اليونانيين بالفعل ولكن غالبه انعكاس لثقافتهم [290] وقد كان الفن يخدم أغراضاً عديدة، منها تمثيل للملوك وغالبها يوجد قرب المعابد وصور لكهنة وفلاحين ومقاتلين وراقصات كذلك وهي لها دلالات مهمة على واقع الحياة والثقافة في ذلك المجتمع القديم ومزيدا من الاكتشافات سيساعد على رسم صورة صحيحة ودقيقة عنهم، فاليمن لم يحظى بنفس القدر من الأبحاث كالذي حظت به بلاد أخرى ومعظم الأبحاث كانت فردية ومن قبل سياح [291] فلا زال الغموض يحيط بهذا الجانب ولم يتسرع الباحثون بإطلاق الأحكام على الفنون في اليمن القديم. كان غالب المنحوتات مصنوع من البرونز وحجر الجير وعدد بسيط أُستخدم فيه الذهب والفضة. واستخدم البلاستيك والصمغ لتمثيل الشعر وهو سبب فقدان بعض التماثيل لشعر رأسها فالصمغ والبلاستيك لا يصمدان طويلاً. اختلفت الأعمال باختلاف الصانع وطبقة الشخصية المنحوتة فالأعمال المصورة للفلاحين والمزارعين البسطاء كانت بسيطة ومتواضعة أما الأعمال المصورة لطبقات ثرية فتظهر دقة عالية 
وعمل النحاتون في اليمن على الحفر على الحجر أو المرمر فكانوا ينقشون الصور أو الآثار التي يريدون تخليدها على سطح المادة المحفور عليها [293] هناك تماثيل تظهر رجالاً متقلدين لخناجر على أوساطهم ولا زالت هذه العادة في الملبس متواجدة إلى اليوم عند رجال القبائل وأًستنبط من التماثيل أن بعض السبئيين كان يحلق لحيته ويبقي على الشارب [294] وقد كان السبئيون يعبرون عن شعر الوجه بنقط صغيرة وعن الشعر الأجعد بخوذة على الرأس مثل تمثال "معد يكرب" الذي يعود للقرن السادس قبل الميلاد، فهو يظهر رجلا بمرتبة اجتماعية كبيرة أحاط القسم العلوي من جسده بيدين من جلد أسد وعبر عن اللحية بنقط على وجهه لا يُستطاع رؤيتها من بعيد وكان الرجل كاتم أسرار الملك [295] ويظهر من التماثيل أن السبئيين كانوا يرتدون نعالاً ثقيلة وسميكة وتختلف الأزياء باختلاف الطبقة 
استعمل السبئيون الأحجار الكريمة لارتدائها كخواتم لليد بعد تزيينها بكتابات بخط المسند ولختم الوثائق والمستندات الرسمية [297] وقاموا بنحت الأحجار لصنع الكراسي والأسرة وإن ذكر اليونان أنها ذهب وفضة فالغالب أنها مبالغة منهم [298] وأستعملوا البرونز لصناعة المصابيح التي تضاء بالزيت وحرصوا على إقحام رموزهم الدينية فيها[299] وقد ظهر اختلاف في المنحوتات عزاه بعض الباحثين إلى احتمالية أن يكون الصناع عبيداً جُلبوا من مناطق مختلفة بدلالة ظهور مؤثرات يونانية ومصرية وفارسية على طريقة الصناع فلم يكن كل النحاتة يمنيين [300] وقد لا يكونون عبيداً بالضرورة فشعوب كثيرة استقرت باليمن خلال أيام ازدهارها وافتتحوا لهم مشاغل في البلاد أبرزهم اليونان [301] مثل النحاث اليوناني "فوكاس" والذي عاش في اليمن آخر القرن الثاني للميلاد ولم يكن عبداً بل كان نحاتاً مقرباً من الملك 
الدين


لا زالت معارف الباحثين بشأن البانثيون اليمني القديم ضئيلة إلا أن طبيعته النجمية أو الكوكبية أمر لا جدال فيه [303] يقول المستشرق الإنجليزي ألفريد فيليكس لندن بيستون أن الآثار القليلة المكتشفة للحضارات العربية الجنوبية تدل على حضارة متقدمة للغاية في زمنها بينما المعطيات عن مراحلها الأولى تكاد تكون شبه معدومة حاليا فلا ينبغي للباحثين التسرع في إطلاق الأحكام والنظريات أهمهما نظرية ثالوث الشمس والقمر وإبنتهما كوكب الزهرة، فلا يمكن تأكيد نظرية ما بشأن معتقدات السبئيين القديمة مالم يقف الباحثون على مراحلهم الأولى فكل النظريات الحالية هي احتمالات ومحاولة فهم الدين اليماني القديم من خلال مقارنته بحضارات الشرق الأدنى [304] من وجهة نظر إسلامية، فإن السبئيين اعتنقوا دين الملك سليمان بعد الزيارة الشهيرة التي قامت بها ملكة سبأ أو "بلقيس" كما عرفتها كتب التراث العربية [305] الإله إيل كان أكبر آلهة السبئيين وهو إله قدسه العبرانيون بدلالة ظهوره في أسمائهم وهناك اعتقاد عند باحثين مسلمين أن السبئيين بقيوا على دين سليمان لفترة ثم عادوا للوثنية ولكن لا آثار مُكتشفة حتى الآن تثبت ذلك بصورة قطعية[306]
أكبر آلهة البانثيون اليمني القديم هو عثتر وله عدة صفات فهو "عشتر شرقن" (عثتر الشرق) و"عثتر غربن" (عثتر الغرب) و"عثتر ذو قبضم" (عثتر ذو قبض) و"عثتر نورو" (نور عثتر) و"عثتر سمعم" (عثتر السميع) و"عثتر قهحم" (عثتر القدير) و"عثتر يغلن" (عثتر الموغل في الدمار) و"عثتر قهرم" (عثتر القاهر) هو إله اليمن الأكبر باختلاف القبائل والممالك، إله الأعاصير، القتال والانتقام، ممثل كوكب الزهرة والنسخة الذكرية من عشتار ووالد البشرية جمعاء الذي تغلب على الإله إيل الذي كان يطلب من اليمنيين أن يقدموا بناتهم أضاحي له ولم يعد يظهر (أو كان يظهر) إلا في أسمائهم الثيوفورية ككربئيل ويدعئيل وشرحبيل ووهبئيل وأوسئيل وماشابهها [307][308][309] ذكر جواد علي أن عثتر هو النجم الثاقب المذكور في سورة الطارق في القرآن[310]
كان المجتمع متدينا للغاية حتى أن اليونانيين لاحظوا ذلك وكتبوا أنهم أكثر تدينا أو تعلقا بالآلهة والأسحار أكثر من أي مجتمع آخر [311] وكان مفهوم الدولة نفسها متمحورا حول الإله قومي وأبنائه (الذين هم الشعب نفسه) وبني لهذا الإله معابد يطلق عليها لفظة "حرم" وبنيت هذه الحرم بشكل دائري لتمسح لزائريها مريدي الطهارة الروحية الطواف حول أصنامهم الخاصة والتي كانوا يعتقدون أنها أبناء إلههم القومي الأكبر وكان هذا المفهوم ساريا في كل ممالك اليمن القديم [312] فالإله تألب ريام مثلا، كان إلها سبئيا بالفعل ولكنه إله مخصوص لقبائل همدان وكذا الحال مع "كهلن" (كهلان) أو بشكل أدق كاهل إله كندة ومذحج والإله قينان إله بني سخيم [313][314] وقد تحولت هذه الآلهة إلى بشر كما يقرأ من سلسلة الأنساب التي وضعها الإخباريون فقد زعم الهمداني في الإكليل أن تألب ريام جد همدان الأكبر وجعل له زوجه هي "ترعة" وترعة في الحقيقة هو اسم معبد تألب ريام فجعل الإخباريون واليمنيون منهم تحديدا الآلهة أجدادا وكأنهم أحيوا سنة أجدادهم الذين هم بدورهم كانوا يعتقدون أنهم أبناء آلهتهم [315] هذا لا يعني تجاهل الهمداني وكتابه الإكليل فهو على بعض أخطائه ومبالغته مثله مثل غالب ماكٌتب عن التاريخ القديم في العصور الوسطى، إلا أنه أكثر كتب هذه العصور موثوقية ماتعلق بتاريخ اليمن القديم ووصوفاته مهمة بشأن العمارة والاقتصاد [316] والسبب في أخطاء أبو محمد الهمداني هو أنه كان يحسن قراءة الحروف السبئية ولكنه أخطأ في ترجمتها فقد قرأ نص بالمسند يقول "تآلب ريام بعل ترعة" وتعني تألب ريام رب ترعة إلا أن الهمداني فهم كلمة بعل بمعنى زوج.
إله سبأ القومي كان الإله المقه اسمه أصلا هو "إل مقه" وتكتب "إلمقه" لا "المقه" ويعتقد أنه زوج الإلهة "شمس" ولم يكن بالضرورة إلها للقمر [317] والإلهة "شمس" كانت إلهة الحميريين القومية وهو مايعطي دلالة عن علاقتهم "الأخوية" المزعومة في كتب الإخباريين، فأهل الأخبار زعموا أن حمير اسم رجل كان أخا "لكهلان" وكلاهما أبناء لسبأ بينما يستنبط من نصوص خط المسند أن إلهة الحميريين الكبرى كانت زوجة إله السبئيين الأكبر ودورها ضئيل جدا في مجمع الآلهة السبئي [317] كان إلمقه "سيد الأرض " أي إلها مسؤولا عن الزراعة وجلب الأمطار وإلها محاربا كذلك مسؤولا عن حماية السبئيين وترمز النقوش له غالبا على هيئة ثور [318] هذا لايعني أن الثور تجسيد له بل هي حيواناته المفضلة وأكثر السبئيون من التضحية بها إما تقربا للآلهة وشكرا لها على عطاياها أو لإتقاء غضبها وإبعاد الشرور والمصائب عنهم. وهناك سبب آخر لرمزية الثور إذ يترافق موسم حجهم الأصغر مع اقتران الشمس ببرج الثور[265]
معنى اسمه اختلف حوله الباحثون، فإيل هو الإله الكنعاني المشهور بينما كلمة مقه غامضة المعنى وأغلب الظن أنها بمعنى "قوي" [319] وفسرها البعض بمعنى "معبد" فيصبح معنى إل مقه هو "رب المعبد" وكان السبئيون يلفظون حرف القاف كافا مثل كلمة مكرب هي "مُقرِب" أصلا [320] ويعتقد أن لاسم الملكة الأسطورية بلقيس علاقة به، فعدد من الإخباريين أورده بصيغة "يلمقه" وكذا ذهب الآثاري الأميركي ويندل فيليبس مؤمنا أن لاسمها في كتب التراث علاقة بهذا الإله [321]
ويعتقد أنه كان أحد أبناء عثتر. فعثتر حسب معتقدات اليمنيين كلهم وليس السبئيين فحسب، كان والد البشرية جمعاء بمثابة آدم عند أتباع الأديان الإبراهيمية باختلاف بسيط. فزوجة عثتر لم تخرج منه بل العكس عثتر كان أنثى وخرج منها الذكر فتزاوجوا وخلفو أبنائهم آلهة اليمن القديم الأربعة والذين هم بدورهم خلفوا آلهة أخرىن لكل قبيلة كتألب ريام الهمداني و"كهلان" (كاهل)القحطاني (كندة ومذحج) [322] ولم يكن إلمقه إلها للخصوبة، فقد ورد نص لقيل من قبيلة خولان يشكر فيه إلمقه على توفيقه في غزوة غزاها لإخماد تمرد في عسير وشفائه من جرح أصاب ساقه خلال الحملة وختم النص بدعاء لعثتر أن يهب له ذرية وهو نص متأخر إلى حد ما ويعود لعصر سيطرة حمير. وورد نص سبئي عن تقديم امرأة أربعة تماثيل من الذهب لعثتر لإنه من عليها ووهب لها ثلاث بنات وولد واحد وكل النصوص المتعلقة بالخصوبة والنسل تشير إلى عثتر وهي دلالة أنه كان إلها للخصوبة كذلك [323] بالإضافة لعثتر وإبنه إلمقه ثم أبنائه (على مايعتقد) وردت نصوص سبئية عن إله اسمه نسر وقد ورد ذكره في القرآن وكان إله قبيلة تدعى "ذو قلاع" وله شهر خاص به [324] الإلهة هبس زوجة عثتر والإلهة ذات حميم وقد تكون كناية عن الشمس أو شي آخر وذات بعدان وذات غضرن وكل هذه الآلهة إناث وذكروا كثيرا في نصوص خط المسند ولم يرد نص أنهم ذكروا وحدهم أو تقدموا على آلهة القبائل الرئيسية.
بني للإله إلمقه معابد رئيسية في صرواح ومأرب كمعبد أوام وبرأن وحوالي واحد ثلاثين معبد فرعيا واكتشف له معبد بني في القرن الثامن ق.م في شمال أثيوبيا. كان المتعبدون يقصدون معبد أوام في مأرب في شهري "ذو أبهي"أو "ذبحي" و"ذو حجتن" (ذو الحجة) ويسمي المستشرقين معبد أوام "بالمعبد الفدرالي" كون كل "أبناء إل مقه" يجتمعون فيه مرتين في السنة ليؤدوا واجباتهم اتجاه آلهتهم ويقدموا الأضاحي ويقووا من الرابطة القبلية التي تجمعهم ويعد موسما للتربح كذلك إذ حرصت الدولة على فرض ضرائب لداخلي المعبد ويعفى المعبد نفسه عن تسديد أي ضريبة [325] يحضر الموسمين كل طبقات المجتمع من الملك مرورا بالأقيال والأذواء وسواد الناس إلى العبيد المسخرة وقد يحضر ممثلون من ممالك مجاورة كذلك ويتم إقامة الولائم من الأضاحي عقب الطواف في قاعات مخصصة لذلك وكل مملكة من الممالك الأربعة كان لديها نظام مشابه [326] وكلها ذات هدف واحد وهو إثبات "فدرالية" الدولة والحرص على إبقاء الرابطة القبلية التي تجمع القبائل "بأبائها الآلهة" ويلاحظ أنه فور سيطرة الحميريين وإلغائهم النظام "الفيدرالي"، قاموا بتوحيد جميع الآلهة في إله واحد. يتخلل موسم بالإضافة للطواف أو "طوف" والولائم، جلسات اعتراف للكهنة بالذنوب وتمنع النساء منعا قطعيا من دخول الحرم في فترة الحيض [327] أغلب المعابد بني في قمم الجبال وبعضها اتخذ صبغة إسلامية مثل جبل النبي شعيب الذي كان موقعا لمعبد قديم لا علاقة له بشعيب هذا [328] خلال سيطرة أسر من قبيلة همدان واعتبارهم "هجر صنعو" (مدينة صنعاء) عاصمة ومركزا لهم، ادعى الهمدانيون أن إلههم تألب ريام ترك لهم كتابة بخط المسند قائلا فيها :" لقد عليتنن سم ذبحي من حضرن لمقه ذي مرب" وترجمتها أنه أعلى أو رفع شأن اسم شهر ذبحي من الحضور أو الذهاب لمقه (ذي مأرب). وللباحثين عدة تفسيرات للنص منها أن قبيلة همدان أرادت رفع شأن إلهها على باقي الآلهة وتحويل موسم الحج من مأرب إلى صنعاء، وعلى كل حال يبدو أن مساعيهم لم تنجح واستمر معبد أوام يؤدي دوره إلى القرن الثالث الميلادي [329] ورغم ترك الحميريين للوثنية في القرن الرابع وتواجد المسيحيين واليهود فإن القرآن في سورة سبأ لم يذكر السبئيين بأنهم من أهل الكتاب وهي دلالة أنه مع نبوة النبي محمد كان لا يزال عدد من اليمنيين وثنيا.
الاقتصاد


الزراعة والتجارة بما تنتجه الأرض كان عماد اقتصاد السبئيين وقد استطاع الباحثون الإسهاب في هذا الجانب من تاريخهم أكثر من جوانب أخرى للنصوص المكتشفة المتعلقة بالزراعة وتنظيمها من قوانين كانت تكتب على صخور كبيرة توضع على مدخل السوق إن كانت متعلقة بتجارة أو تحفظ في المعابد ماتعلق الأمر بالضرائب والمزروعات [330] ويختلف اليمنيون قديما وحديثا بشأن نظرتهم للزراعة عن معظم سكان شبه الجزيرة العربية ومرد ذلك طبيعة بلادهم بدرجة أولى[331] الماء قليل في شبه الجزيرة العربية بما فيها اليمن قديما وحديثا وهو مادفع السبئيين والمعينيين لإنشاء مستعمرات على طول الطريق التجارية عوضا عن بناء حكومة مركزية ومجتمع كبير [332] ولكن حظ اليمن من الأمطار أوفر رغم أنه غير منتظم وهزيل مقارنة بمناطق أخرى من العالم. وعدم انتظام الأمطار وهطولها بشكل مفاجئ قد يسبب كوارث طبيعية أهمها السيول ولا شك أن اليمن عانى منها فعمل السبئيون على بناء السدود للاستفادة من هذه السيول قدر المستطاع. وبالفعل فقد رويت أراضيهم أيام الاستقرار وجدبت أيام الاقتتال والنزاع القبلي، فكل الوارد في نصوص خط المسند عن تصدعات أصابت سد مأرب، كان يرد في فترات القتال والنزاع غالبا لإنشغال القبائل بالقتال وإهمالهم صيانة السدود.
الزراعة
قاموا ببناء السدود لتجميع السيول في أحواض وتوجيهها الجهة التي يريدون عن طريق أبواب تفتح وتغلق حسب الحاجة ويعتبر سد مأرب أحد أقدم السدود في العالم وكان يروي ما يقارب 24,000 آكر (قرابة 98,000 كم مربع) [333] وعده الباحثون معجزة تاريخ الجزيرة العربية [334] ودفع السبئيون الأجور وقدموا المواد الغذائية للعمال الذين يقومون بصيانة السدود وبنائها إلا في حالات الطوارئ، فحينها كان الملوك يجبرون زعماء القبائل والمواطنين وكل من يجدونه أمامهم على العمل لتجنب الكارثة [335] هناك اختلاف بين الباحثين حول مرحلة بناء السد، فقد مر بعدة أطوار وأبحاث أثرية حديثة قام بها المعهد الألماني للآثار تشير إلى نظم زراعية قرب مأرب تعود إلى الألفية الرابعة ق.م [43] إلا أن السد الشهير نفسه يعود إلى القرن الثامن ق.م وبقي صامدا يؤدي عمله حتى عام 575 ب.م [336] بعض الباحثين أعاده إلى القرن العاشر ق.م [337] تعرض لعدة تصدعات ولكن نهايته كانت في العام 575 بعد الميلاد لغياب حكومة مركزية واضطراب الأمن في البلاد وتدخل القوى الأجنبية (الفرس) واستقلال زعماء القبائل بإقطاعياتهم [338] في القرن الثامن، وردت نصوص لمكاربة تشير إلى تعلية وإصلاحات على السد فبلغ طوله 577 متراً وعرضه 915 متر وهو ضعف سد هوفر الأمريكي [339] وبني في الجهة التي تسيل منها السيول فتمكن السد من حصر الماء وزود بثقوب أو أبواب لتسمح بقدر أكبر من التحكم بجهة المياه عقب استقرارها في الحوض [340] وتم اقتطاع حجارة السد من صخور الجبال ونحتت بدقة ووضعت فوق بعضها البعض واستخدم الجبس لربط الحجارة المنحوتة ببعضها البعض واستخدام قضبان إسطوانية من النحاس والرصاص يبلغ طول الواحدة منها ستة عشر مترا وقطرها حوالي أربع سنتمرات توضع في ثقوب الحجارة فتصبح كالمسمار فيتم دمجها بصخرة مطابقة لها وذلك ليتمكن من الثبات أمام خطر الزلازل والسيول العنيفة [341] وقد بلغ عدد السدود السبئية قرابة الثمانين سدا صغيرا منها سد في نجران بحوض يسع مئة مليون غالون من الماء حسب تعليقات المستشرق الإنجليزي جون فيلبي أو عبد الله كما سمى نفسه عندما ادعى اعتناقه للإسلام [342] ويطلق على السد لفظة "عرمن" (العرم) في كل اللهجات الصيهدية [343] ويشار للأرض المزروعة نخلا بلفظة "أنخل" وللأرض بنفس اللفظ المستخدم في العربية المستخدمة حاليا "أرض" ولإضافة أداة التعريف يضاف حرف النون في آخر الكلمة (أرضن) والأرض التي تزرع عنباً بلفظة "أعنب" وعن الأرض الثرية والموفرة بألفاظ من قبيل "أثمر" و"موفرن" [344] وكان العنب ينتج مرتين في السنة وقد كان من أهم المحاصيل الزراعية وعرفت اليمن بجودة عنبها [345] كانت الحكومة تمنع المزارعين من قطف المحاصيل ولديها أجهزة متخصصة لمراقبة المحصول لتحديد الضريبة أو تسديد ديون عليها لمالك الأرض. ويقال للدقيق "طحنم" (طحين) في نصوص المسند [346] وذكر سترابو أن العسل مشهور في اليمن وأنه كثير جداً [347] كان السبئيون يواجهون الآفات الزراعية بعدة أساليب أولها وأكثرها بدائية كان تسميه البستان باسم أحد الآلهة وتخصيص جزء من المحصول للإله إذا نجح في المهمة المطلوبة وحمى الزرع [348] وقد يكون المقصود تقديم جزء من المحصول للمعبد [349] وأكبر آفاتهم كان الجراد ويشير السبئيون إليه بلفظة "أربى" وعملوا على رش حقول القمح بتربة خاصة لحمايتها منه [350]
لم يكن إيصال المياه إلى الجبال والزراعة عليها أمراً سهلا مما اضطر السبئيين إلى تمهيدها على شكل مدرجات ولا زالت ظاهرة إلى اليوم في اليمن[351] وقد ذكر اليونان ذلك وكيف أن جبال اليمن تبدو كسلالم وهو ليس نتاج الطبيعة بل لإن اليمنيين القدماء أرادوها كذلك لتسهل عليهم الزراعة في المرتفعات [352] وللأسف قليل من هذه المدرجات أو "جروبن" (مفردها جربت أو جربة والجمع في اللغة الصيهدية يكون بإضافة الواو فيقال جروب لجمع جربة) بقي مزروعا إذ أن غالبها تصحر نتيجة الإهمال عبر السنين [353] وقام السبئيون مثل غيرهم من اليمنيين الآخرين ببناء الصهاريج لحفظ المياه وتزويدها بمجاري تحت الأرض تصل لعدة كيلومترات لإيصال المياه للسكن والمزارع ولا زالت الصهاريج تستخدم في أرياف اليمن وبنفس الطريقة القديمة [354] كان في كل مقاطعة أو "هِجّر" مجلس مكون من "ثمينتن" (ثمانية) أعضاء لمناقشة القضايا الزراعية من ضرائب يدفعها المزارعون للحكومة إلى تقديم طلبات بحصص وقروض من خزانة الدولة وغالبا ماتكون في المعبد لإمداد المزارعين أو ملاك الأراضي بصورة أدق [355] وفرضت عقوبات على المزارعين الذين يتركون الأرياف ليعيشوا في المدن وهو مايؤكد قول سترابو بشأن صرامة القوانين الاجتماعية. فكثير من المزارعين كان يترك الأرض ويذهب إلى المدينة خلال أيام القحط أو الاضطرابات وتسميهم نصوص المسند بلفظة "مهجرت" (مهجرة) [356] وردت عدة نصوص عن معاملات زراعية في نصوص المسند وقد يؤجر المعبد أرضاً يملكها لمزارعين للاستفادة منها على أن يسدد المزارعين الأجرة سنوياً أو حسب العقد المتفق عليه مع الآلهة [357] ولا تمض أي معاملة زراعية إلا بعد أن يحصل المتعاملون على قرار رسمي برضا الآلهة عن العقد [358]
التجارة
تصف نصوص خط المسند التاجر بلفظة "مكر" [359] والتجار أدنى طبقة حسب السلم الاجتماعي اليمني القديم من الملوك والأقيال رغم أن هولاء الأقيال والملوك كانوا تجاراً كذلك ولم يفهم الباحثون ماإذا كان هناك طبقات بين التجار في المجتمع القديم. كانوا يتاجرون بما تنتجه الأرض من بخور ولبان ومر وكانوا محتكرين لتجارتها في العالم القديم وكانت سبباً أغسطس قيصر لغزو العربية السعيدة بعد عقده "صداقة" حسب مفاهيم الرومان مع الأنباط [360] وهذا ماقاله سترابو، أن الإمبراطور أراد السبئيين أن يصبحوا أصدقاءاً لروما وهي ليست صداقة بالمعنى المعروف بل المقصود منها تبعية وخضوع لشروط الرومان والمتاجرة بالبضائع العربية الجنوبية بأرخص الأسعار [197] لم يتم حلم الرومان وفنى غالب جيش أيليوس غالوس ووضع الرومان باللائمة على العطش وقلة المياه رغم وفرة المياه الناتجة من السدود وعلى دليلهم النبطي. وللباحثين في العصر الحديث عدة اعتراضات سترابو، فسترابوا جغرافي ولكنه سياسي كذلك [216] ويأمل الباحثون اكتشاف كتابات بخط المسند تشير إلى هذه الحملة للوقوف على سبب إخفاقها فالنصوص المكتشفة تمثل جزء اً بسيطا من تاريخ البلاد وعُثر على أغلبه من سياح لا بعثات إسكتشافية منظمة[361] لمعرفة الجانب الآخر من الحكاية خاصة أن الرومان غيروا أسلوبهم في التعامل مع "العربية السعيدة" عقب هذه الحملة وبدأوا بدعم مملكة أكسوم على الضفة المقابلة لليمن بعد حملة رومانية أخرى أخفقت كذلك بقيادة ابن سيبتيموس سيفيروس [362] رغم أنه نجح في ضم في العربية الصخرية (أقصى الشمال الغربي) دومة الجندل تحديدا [363]
كان السبئيون وكل اليمنيين القدماء يتاجرون بما تنتجه أرضهم ويشترونه من الهند وكانت لهم سيطرة على سواحل أفريقيا كونها أحد مصادر اللبان والبخور كذلك وقد ذكر اليونان أن سيطرتهم كانت تمتد حتى تنزانيا [208] وردت في العهد القديم عدة نصوص تلمح إلى قوافل السبئيين وتجارتهم منها أنهم سيأتون بالذهب معظمين لمسيح اليهود المنتظر [364] وهذه النصوص توافق الوارد عنهم في كتب الرومان واليونانيين ماشأنه أنهم تجار بخور وطيب وذهب وأحجار كريمة [365] وعن تواجد سبئي في تيماء وعن سياراتهم (قوافلهم) [366] وهذه النصوص عن تواجد سبئي في شمال غرب الجزيرة العربية تؤيدها نصوص آشورية ولكنها كانت مستعمرات تجارية لا أكثر فكل هذه النصوص تشير أنهم كانوا يتاجرون بالطيب والبخور وكلها مزروعات كانوا يأتون بها من اليمن حيث موطنهم فأرض الحجر وتيماء ليست بأراض زراعية، فيُحتمل أن ملكة سبأ الوارد ذكرها في العهد القديم والقرآن إن ثبت وجودها والملك سليمان من ناحية أثرية، كانت ملكة على إحدى هذه المستعمرات [367] الكتاب المقدس لم يذكر طبيعة الأرض التي قدمت منها ولكن القرآن ذكر أن مسكن سبأ "جنتان عن يمين وشمال" وهي دلالة أنها أرض زراعية واليمن وجنوب الجزيرة بشكل عام أكثر خصوبة من سواها من الأقاليم [368] ويرجح عدد من الناقدين أن القصة مختلقة بالكامل من كتبة التوراة لإيجاد شاهد أجنبي ثري على ثروة سليمان وحكمته وعظمته [369] وقد بلغت مملكة سبأ مبلغا أعظم من أي أثر مكتشف لمملكة قد أقامها العبرانيون أو اليهود ليتعجب أي سبئي من بلاط سليمان أو حاشيته [370] لم يأخذ إدورد جلازر برأي هومل بشأن ملكة سبأ [371] وآمن الأثري الأمريكي الراحل ويندل فيليبس أن التنقيب في مأرب وماحولها سيؤدي للعثور عليها إلا أن مهمته التي قام بها في خمسينات القرن العشرين توقفت بسبب تهديدات بالقتل وعاد فيليبس إلى بلاده وتوفي بعدها بفترة قصيرة وبقيت جمعيته التي أسسها المعروفة باسم الجمعية الأمريكية لدراسة الإنسان (إنجليزية: The American Foundation For The Study of Man) تؤدي عملها إلى اليوم 

وقد أدرك العبرانيون ذلك بوصفهم السبئيين بأنهم أمة بعيدة خلال تهديد يهوه لأهل صور لبنان ببيعهم كعبيد إلى السبئيين "الأمة البعيدة" وهو مايستنبط من خلاله أن مراكز السبئيين الرئيسية لم تكن قريبة منهم وماكان القريب إلا فرعاً أو مستعمرة ودلالة أن السبئيين كانوا من شراة العبيد والرقيق [373] وهذه نصوص تدل على تجارة السبئيين وإن كان لا يُنبغي لها أن تؤخذ حرفياً لما يفسدها من التوجهات الدينية والسياسية المختلفة. أشار اليونان إلى تجار السبئيين وأنهم كانوا يتاجرون بالطيب وله نفس اللفظة في نصوص خط المسند [374] والذهب والفضة ويصدرونها لأسواق العراق أو "عبر نهرن" (عبر النهر) كما كان يسميها السبئيين بالإضافة للمر أو "أمرر" في النصوص القديمة والصبر وهذه كلها كانت تنتج في اليمن وشرق أفريقيا [375] أما المسك والعود فقد كان السبئيون وكل العرب الجنوبيين يستوردونه من الهند إذا كان تجار مملكة حضرموت أكثر اتصالا بالهند منهم ولهم سيطرة على ظفار، ولا شك أن السبئيين كانوا يشترونه منهم ومن ثم يتاجرون به والعلاقة الاقتصادية بين الممالك الأربعة في اليمن القديم لا تزال غير واضحة إلا أنه في فترات السلم كان هناك تعاون اقتصادي من نوع ما [376] وقد سار السبئيون وقبلهم المعينيين وفق سياسة توسع تجارية فكانوا يسيطرون على غرب الجزيرة العربية من خلال مستعمرات ومهدوا الطرق للقوافل ووضعوا حراسات على هذه المواضع لحراستها من الأعراب وغالبهم كانوا قطاع طرق ولا شك أن أهل يثرب كانوا إحدى هذه الأغراس التي غرسها السبئيون على الطريق التجارية [40] وهذا للقوافل المتجهة للشام ومن ثم إلى مصر أما للقوافل المتجهة نحو العراق فقد مهدوا الطريق من نجران مرورا بنجد حيث مملكة كندة القديمة لحماية القوافل المتجهة للعراق وفارس [377] كان هناك صناعات مثل الدباغة والخياطة والحدادة والنجارة فالسبئيون كانوا أهل حاضرة وليسوا أعراباً ولكن لاتوجد دلائل أنهم صدروا مصنوعاتهم للخارج باستثناء الجزيرة العربية حيث ورد في كتب التراث عن جودة السيوف اليمانية وأن بردة النبي محمد ونعاله كانت من اليمن ويُطلق على الذهب لفظة "ذهبن" وعلى الفضة "صرفن" في نصوص خط المسند ورغم كتابات اليونان التي وصفت آنية الأكل والشرب عند اليمنين بأنها ذهب وفضة، الغالب أنها مبالغة منهم فقد أُستخدم الرصاص لصنع الأكواب والصحون ونوع من السيوف كذلك [378] بالإضافة للتجارة والزراعة، فإن موانئ اليمن وبالذات ميناء المخا وعدن كانا من أهم الموانئ في العالم ومصدر دخل مرتفع من الضرائب التي يفرضها السبئيون على السفن وفرصة للتجار للتواصل مع العالم الخارجي وتبادل المنتوجات معهم [379]
اللغة والخط
كتابة سبئية
كان السبئيون يتحدثون باللغة السبئية وهي فرع أو لهجة من العربية الجنوبية القديمة وهي لغة سامية. الأبحاث القديمة في القرن التاسع عشر جعلتها من ضمن اللغات السامية الجنوبية [380] إلا أن أبحاثاً حديثة تجعلها فرعا ثالثا من السامية الوسطى[381] والمسألة لا زالت موضع نقاش بين المختصين فالتصنيفات الداخلية للغات السامية صعبة عموما.
المميز في اللغة العربية الجنوبية القديمة هو تقديمها لأداة التعريف "نون" في آخر الكلمة هو مالم يوجد في أي لغة سامية أخرى [382] أما مايميز اللهجة السبئية عن باقي اللهجات العربية الجنوبية القديمة هو استخدامها للحرف "هاء" كأفعال سببية فيقول السبئيون "هحدث" بمعنى "سأفعل" بينما العرب الجنوبيين الآخرين يستعملون الحرف سين [383]
أما للتدوين فقد كان السبئيون يخلدون ذكراهم بكتابة شواهد باستخدام خط المسند أو "متسندن ـ م ت س ن د ن " كما كانوا يطلقون عليها. وهي كتابات تتعلق بتقديم القرابين أو لتخليد انتصار وبناء منزل وماشابهها من الأنشطة. أما للمعاملات اليومية فقد استخدموا الزبور أو "زبرن" [384] الأبجدية العربية الجنوبية القديمة تتكون من تسعة وعشرين حرف ودونت في أوائل الألفية الأولى وهو مايجعلها من أقدم الأبجديات في العالم وعدّها اللغويون أبجدية شقيقة للفينيقية ولم تُقتبس أو تتطور عنها وهي فرع من أبجدية سينائية أولية حسب بعض النظريات 
ملاحظات
^ تحديد تواريخ شخصيات التوراة أمر صعب ويعتقد أن القصص الواردة فيه كتبت خلال السبي البابلي أو ربما خلال الحكم الأخميني في القرن الخامس قبل الميلاد وعلى هذا فإن الكتاب المقدس والنصوص الدينية الأخرى ليست مصادر يُعتد بها لسرد هذا التاريخ وإن كانت مهمة وتساعد الباحثين على الاستنباط
^ ماذكره العهد القديم يدل على تواجد سبئي في كل المواضع الموحاة وقد اكتشف علماء الآثار تواجدا لهم في جنوب فلسطين والأردن وهو ماأشار إليه كتبة اليهود بأن سبأ أحد أبناء إبراهيم. وعثر على آثار لهم في شمال إثيوبيا في أكسوم وعدد من معابدهم وهو ماقصده العبرانيون بنسب السبئيين إلى كوش، وآثار السبئيين هي الأقدم في تلك البلاد. أما اليمن فهي موطنهم وعدد آثارهم يفوق آثار الممالك الأخرى مجتمعة
^ الوجود أو التأثير السبئي على شمال إثيوبيا في أكسوم مثبت ولكنه غامض وغير واضح فقد كان العلماء يعتقدون سابقا أن اللغة الجعزية تطورت عن السبئية وتوقفوا عن ذلك حديثاً لوجود دلائل على لغة سامية في تلك المناطق تسبق الوجود السبئي ولكن منذ القرن الثامن قبل الميلاد، أقام السبئيون مستعمرات لهم في شمال إثيوبيا ونقلوا لهم نظام الكتابة القديم المعروف بخط المسند ويظهر اختلاف جلي في ملامح السلالة الملكية التي كانت تحكم إثيوبيا التي كانت تدعي أنها من نسل ملكة سبأ والملك سليمان عن باقي السكان وعن باقي الأفارقة بشكل عام. ولم ينسى هولاء وطنهم القديم بل كانوا يتربصون به ويتدخلون في شؤونه كلما سنحت لهم الفرصة وقد تمكنوا من ذلك إذ تمكنوا من إحتلال نجران وساحل كنانة ومن ثم إسقاط الحميريين عام 527 وأغلب نفوذهم كان على السواحل الغربية في المنطقة المعروفة باسم تهامة
^ سترابو مرافق أيليوس غالوس تعمد تبرير إخفاق الحملة الرومانية على مملكة سبأ كثيراً وحاول النيل من السبئيين عن طريق تصويرهم بمظهر المنحلين أخلاقياً المنغمسين في الملذات ووصفهم بأنهم شعب ثري وكسول وهي كلها نتيجة إخفاق الحملة ونتائجها الكارثية على الجيش الروماني ومع ذلك فإن كتاباته على قدر كبير من الأهمية طالما قرأت بحذر
ئري يوم الثلاثاء 6 سبتمبر 1808 الموافق لـ 15 رجب 1223 هـ، رائد سياسي وعسكري مقاوم قاد (جيش أفريقيا)[1] خمسة عشر عاما أثناء غزو فرنسا للجزائر هو أيضا مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة ورمز للمقاومة الجزائرية ضد الاستعمار والاضطهاد الفرنسي. اعتبره الفرنسيون "يوغرطة الحديث".
خاض معارك ضد الاحتلال الفرنسي للدفاع عن الوطن وبعدها نفي إلى دمشق وتوفي فيها يوم 26 مايو 1883.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


بلقيس

ملكة مملكة سبأ
بلقيس
معلومات شخصية
لديها ابن اسمه منليك الاول

بلقيس (عبرية:מלכת שבא ملكت شفا) كانت ملكة مملكة سبأ الوارد ذكرها في الكتاب المقدس والقرآن. وفدت الملكة غير المُسمَّاة في النصوص الدينية على الملك سليمان، وفصَّلَ رجال الدين والمفسرون والإخباريون في تفاصيل ذلك اللقاء حتى غدت شخصية هذه الملكة مادة خصبة للكتب القصص والروايات، وتعدّ هذه المرأة مصدر فخر واعتزاز لليمنيين،[1][2] والإثيوبيين.[3]
كان هناك خلاف بين الباحثين حول موقع مملكة هذه الملكة وادّعت شعوب كثيرة أنها موطن هذه الملكة؛ أثبتت الأبحاث الأثرية الحديثة بما لا يدع مجالاً للشك أن موطن مملكة سبأ كان باليمن وإن لم يُعثر لهذه الملكة بحد ذاتها على أثر.[4][5] في نفس الوقت، لا ينفي علماء الآثار وجودها، وإن كان بعضهم يعتقد أنها أسطورة يمنية قديمة وجدت طريقها إلى العهد القديم لوجود تماثيل عديدةٍ لنساء في معبد بران أو "محرم بلقيس" كما يُسمِّيه اليمنيون، واعتقادهم - كونها ذكرت في العهد القديم والقرآن - أنه لا بد أن يكون للقصة سند آثاريٌّ في مكان ما.[6]
أنتجت العديد من الكتب والأفلام والروايات حول هذه الملكة الغامضة وقصتها مع الملك سليمان، الذي هو بدوره كذلك لا يوجد دليل آثاريٍّ واضح يشير إليه، سواءً في اليمن أو فلسطين ومصر القديمة وغيرها من حضارات العالم القديم.

العهد القديم هو أقدم النصوص الذي يشير إلى هذه الملكة دون أن يسميها أو يذكر من أين أتت تحديداً قاصراً ذكرها على أنها ملكة مملكة سبأ سمعت بخبر سليمان وحكمته فذهبت إليه لاختبار هذه الحكمة والتحقق منها. قادمة على ظهور الجمال بقافلة من الطيب والأحجار الكريمة والأبخرة الذي يذكر العهد القديم أن أورشليم لم تشهد مثلها من قبل [9] التحقق من القصة من ناحية الآثار يكاد يكون مستحيلا، ولكن الإشارات إلى الطيب والأحجار الكريمة التي " لم يأت بعد مثلها " دلائل أن المملكة التي كانت تحكمها بلقيس غنية بهذه العناصر. وقد كانت ممالك اليمن القديم كذلك.[10][11]
   بلقيس وسمعت ملكة سبأ بخبر سليمان لمجد الرب فأتت لتمتحنه بمسائل * فاتت إلى أورشليم بموكب عظيم جدا بجمال حاملة أطيابا وذهبا كثيرا جدا وحجارة كريمة وأتت إلى سليمان وكلمته بكل ما كان بقلبها * فاخبرها سليمان بكل كلامها. لم يكن أمرا مخفيا عن الملك لم يخبرها به * فلما رأت ملكة سبإ كل حكمة سليمان والبيت الذي بناه * وطعام مائدته ومجلس عبيده وموقف خدامه وملابسهم وسقاته ومحرقاته التي كان يصعدها في بيت الرب لم يبق فيها روح بعد * فقالت للملك صحيحا كان الخبر الذي سمعته في أرضي عن أمورك وعن حكمتك * ولم أصدق الأخبار حتى جئت وأبصرت عيناي فهوذا النصف لم أخبر به. زدت حكمة وصلاحا على الخبر الذي سمعته * طوبى لرجالك وطوبى لعبيدك هؤلاء الواقفين أمامك دائما السامعين حكمتك. * ليكن مباركا الرب الهك الذي سر بك وجعلك على كرسي إسرائيل. لأن الرب أحب إسرائيل إلى الأبد جعلك ملكا لتجري حكما وبرا * وأعطت الملك مئة وعشرين وزنة ذهب وأطيابا كثيرة جدا وحجارة كريمة. لم يأت بعد مثل ذلك الطيب في الكثرة الذي أعطته ملكة سبإ للملك سليمان * وكذا سفن حيرام التي حملت ذهباً من أوفير أتت من أوفير بخشب الصندل كثير جدا وبحجارة كريمة * فعمل سليمان خشب الصندل درابزينا لبيت الرب وبيت الملك وأعوادا وربابا للمغنين. لم يات ولم ير مثل خشب الصندل ذلك إلى هذا اليوم * وأعطى الملك سليمان لملكة سبإ كل مشتهاها الذي طلبت عدا ما أعطاها إياه حسب كرم الملك سليمان. فانصرفت وذهبت إلى أرضها هي وعبيدها   بلقيس
— سفر الملوك الأول 10 :1-13
و يذكر العهد القديم أن مملكة سليمان دخلت عصرا من الازدهار والثراء بعد هذه الزيارة، وأنه بنى عرشه من العاج وأغشاه بالذهب وجعل آنية الشرب كلها من الذهب وأن ملوك الأرض كلها أتت إلى سليمان لتسمع حكمته وتتعلم منه حسب العهد القديم. وورد ذكر سبإ في سفر أشعياء بأن أهلها سيأتون محملين بالطيب على ظهور الجمال ليعظموا المسيح اليهودي ويعتقد المسيحيون أن المقصود هو يسوع [12] لم يذكر العهد القديم مالذي حدث للملكة بعد هذه الزيارة سوى أنها تعلمت من حكمة سليمان وعادت إلى بلادها.
علاقة ملكة سبأ بالملك سليمان
لا توجد إشارات في الكتاب المقدس عن علاقة بين سليمان وملكة سبأ، وبنيت قصص العلاقة في تعليقات أو تفاسير الأحبار استنادا على ماورد عن حب سليمان للنساء في التوراة.[13] المدراش ووالتناخ فصلوا في القصة، ورد في المدراش أن الملكة سمعت بخبر سليمان وحكمته فقالت لقومها :"سأذهب لإختباره بأحاجي لأرى إن كان حكيما أم لا " ويبدو أنها كانت بارعة في مسألة الأحاجي والألغاز والأسئلة المعقدة وكان سليمان يحب الأحاجي ويكثر من تبادلها مع الملوك وهي علامة على الكفاءة والذكاء حسب مفاهيم العالم القديم.[14][15]

فلما وصلت عند سليمان سألته : " أنت سليمان الذي سمعت عن مملكته وحكمته؟ "
فأجاب سليمان: نعم.
بلقيس : " إن كنت حكيما فعلا، فسأسألك أسئلة وأرني إن كان بإمكانك الإجابة عليها "
سليمان : " لأن الرب يعطي حكمة. من فمه المعرفة والفهم "
بلقيس : "ماهي السبع التي تخرج، والتسع التي تدخل، والإثنان اللذان يقدمان شرابا، والواحد الذي يشرب؟ "
سليمان :" السبع التي تخرج هي أيام الحيض والتسع التي تدخل هي شهور الحمل التسعة، والإثنان اللذان يقدمان شرابا هم الثديان والواحد الذي يشرب هو الرضيع " 
فقالت بلقيس بصوت عال: " أنت حكيم فعلا ! سأسألك سؤالا آخر وأرى إن كان بإمكانك إجابتي ؟ "
سليمان: " الرب يمنح الحكمة "
بلقيس: "أباك هو أبي، وجدك هو زوجي، أنت إبني وأنا أختك؟"
فأجاب سليمان: "إبنتا لوط" (الذين حبلوا من أباهم لوط حسب العهد القديم) [18]
بلقيس: "يخرج كالغبار من الأرض، غذائه الغبار، يسكب كالمياه ويضيء المنازل؟"
سليمان: "نافثا"
بلقيس: "شيء عندما يعيش لا يتحرك وعندما تقطع رأسه يتحرك؟"
سليمان: "السفينة في البحر"
بلقيس : "ماهو الذي لم يولد بعد ولكنه أعطي حياة؟"
سليمان : " عجل الذهب "
بلقيس : "الميت عاش ويصلي والقبر يتحرك، من هو ؟"
سليمان: الميت يونس وقبره الحوت. (أو السمكة كما هي مذكورة في التوراة)
وفصل كتبة التلمود في تفاصيل أخرى منها أن بلقيس عندما رأت أن سليمان استطاع حل أحاجيها السابقة, قامت بجلب أطفال صغار يرتدون ملابس متماثلة وطلبت من سليمان أن يفرق بين الذكور والإناث. فطلب سليمان من المخصيين عنده أن يأتوه بثمر البندق وحبوب ذرة ليلقوها أمام الأطفال. قام الذكور بجمعها وتعليقها تحت ثيابهم ولم يهتموا بكشف عوراتهم بينما الإناث علقن الحبوب والثمار على أطراف ملابسهن الخارجية فعلم سليمان أيهم الذكور وأيهم الإناث كون الإناث كانوا أكثر حرصاً من الذكور على الحشمة [19]
واستمر الوضع على هذا الشكل وسألت بلقيس الملك سليمان أحاجي وألغاز كثيرة ويبدو من القصة وتعليقات الحاخامات أنها أشبه بدروس دينية لكثرة الأمثلة التي أوردها سليمان على بلقيس عن أنبياء مثل لوط وأيوب وموسى وأباه داوود وكلها كانت لإقناع بلقيس بدين سليمان وأن مالديه من الحكمة الممنوحة من إلهه يفوق ما لديها حتى أيقنت بلقيس قائلة [20][21]:
روي أن سليمان جمع عدد من ملوك الممالك المجاورة لمملكة إسرائيل لحضور عرض للحيوانات والطيور والجن والعفاريت الذين كان يعرفهم سليمان بأسمائهم فرداً فرداً نادى سليمان على الحيوانات والطير والجن بأسمائهم فلم يجد الهدهد مما أثار غضبه وأمر بتعذيبه حتى أتاه الهدهد قائلا:

لم يعرف الإخباريين مامعنى بلقيس وسبأ فآولوا الاسمين أكثر من معنى وسبب. فيقول المؤرخ والعالم اللغوي نشوان الحميري [52] :
«وبلقيس إسمان جعلا واحدا مثل حضرموت وبعلبك وذلك أن بلقيس عندما حكمت بعد أبيها الهدهاد قال بعض حمير لبعض ماسيرة هذه الملكة من سيرة أبيها فقالوا بلقيس، أي بالقياس فسميت بلقيس»
فهو جعلها وأباها من قبيلته حمير، وقال ابن منظور أن اسم يلمقه فارسي معرب وهي مأخوذة من مؤرخ فارسي وهو مالم يقتنع به ابن دريد.[53] قال الطبري إن اسمها يلمقه بنت أليشرح رغم أن كل هولاء الإخباريين لم يعرفوا شيئا عن الإله اليماني القديم المقه والعلاقة بين الاسمين واضحة.[54] ولم يبين الإخباريين من أين أخذوا اسمها وكيف توصلوا إليه.
تقول الرواية العربية أن ملكا حميريا يدعى عمرو ذو الأذعار من أم جنية اسمها العيوف بنت الرابع تولى الملك في مملكة حمير. وكان ظالما جبارا ولهذا عرف باسم ذو الأذعار المشتق من الذعر. وانقسمت حمير على ماروى الرواة فكان ذو الأذعار هذا وملك آخر يدعى عمرو بن شرحبيل الذي ولى ابنه الهدهاد الملك عقب وفاته وفي رواية أخرى اسمه ذي شرح. كافأ الجن الهدهاد أو ذي شرح بأن زوجوه منهم لإنه ساعد مصابا منهم بسقية من ماء وكان نتاج ذلك الزواج بلقيس الوحيدة التي عاشت من أبناء وبنات الملك حتى إذا كان على فراش الموت استشار بني قحطان في توليتها. فأشاروا عليه بأنها من أعقل النساء ولكنهم أستنكروا أن تتولاهم امرأة.
لم يزل تهديد عمرو ذو الأذعار فدبرت بلقيس حيلة للتخلص منه فعرضت عليه الزواج وهو ما وافق عليه ذو الأذعار. فأمر الملك عبيده بالخمر وهم بها وأخذت بلقيس تماطله حتى تمكن الخمر منه فاستلت خنجرا من غمدها ونحرته.[55] وأخفت جثته لفترة وطلبت الجنود أن يأتوا لها بأحد شيوخ حمير كذلك وأخبرته أنها سلمت نفسها لذو الأذعار ولأنه عقيم ولا يلد له، فوضها ولاية العهد فأطاعوها على ذلك حتى عندما أخذت منهم الأمان علقت رأس ذو الأذعار على باب مأرب. ثم جهزت بلقيس نفسها جيشا غزت به نهاوند وأذربيجان والصين ويبدو أنها كانت مسلمة ومتبعة للطقوس الدينية للإسلام، إذ يزعم هولاء أنها توقفت بمكة لأداء العمرة قبل حملاتها هذه. عكس كتبة اليهود، المؤرخين العرب ركزوا على عذرية بلقيس وإلتزامها بمكارم الأخلاق بالبعد عن الرجال.[56]
رسم للملكة بلقيس وسليمان بريشة الإيطالي رفائيل
لم تكن رسومات العصور الوسطى الأوروبية المتعلقة بملكة سبأ بشعبية رسومات أخرى مصورة لشخصيات العهد القديم، وكانت مختلفة لاختلاف الروايات وكثرة ذكر الملكة في عدة ثقافات. فالإثيوبيون رسموها إنعكاساً لملامحهم والأوروبيون رسموها بملامح أوروبية كما جرت عادتهم في تصوير الشخصيات من النصوص المقدسة. زاد الاهتمام بهذه الملكة في عصر النهضة أوعصر التنوير مثل الإيطالي بييرو ديلا فرانشيسكا ولوحته تعظيم الخشبة المقدسة ولقاء ملكة سبأ وسليمان 
أتوريني روسبيغي (بلقيس ـ ملكة سبأ) (إيطالية: Belkis, Regina di Saba) في 1930
في الأدب[عدل]

بيتي بلايث بدور ملكة سبأ 1921.
جيوفاني بوكاتشيو المرأة المبجلة.
عبد الله البردوني بلقيس ولعيني أم بلقيس.
كريستينا لينين كتاب قلعة النساء.
روبرت براونينغ قصيدة بلقيس وسليمان.
هنري رايدر هاجرد كنوز الملك سليمان وخاتم ملكة سبأ.
نيل جايمن رواية آلهة أميركيون وتظهر شخصية بلقيس كسعلوة.
جيرارد دي نيرفال مسرحية ملكة سبأ.
في السينما والتلفزيون[عدل]
فيلم ملكة سبأ بطولة بيتي بلايث - 1921.
فيلم ملكة سبأ بطولة الإيطالية ليونورا روفو 1952.
فيلم سليمان وسبأ بطولة يول براينر والإيطالية جينا لولوبريجيدا - 1959.
ملكة سبأ تلتقي الرجل الذري -1963، بطولة جوديث مالينا، تايلور ميد.
سليمان وسبأ بطولة هالي بيري وجيمي سميث 1995.
مسلسل بلقيس ملكة سبأ بطولة صبا مبارك عام 2009
أفلام وثائقية[عدل]
ملكة سبأ، ماوراء الأسطورة. قناة ديسكفري على يوتيوب
انظر أيضاً[عدل]
تاريخ اليمن القديم



:صور
















1 comments:

Unknown said...

يمكنكم الان التمتعب افضل خدمات كبري من كبري شركات امنية التي تعمل علي توفير افضل شركة امن وحراسة في الكثير من خدمات المميزة من شركة الحراسات الخاصة اي انم يتميزون باكبر شركة الامن والحراسة وهنا تلك الخدمات تتوفر الان في افضل شركة حراسات كبري