مقدمة:
ينتمي الاديب سليمان الخليفي الى زمن الثقافة
الاصيلة،ومن عرفه يستشف مدى عمق ثقافته التي جمعت الثقافة العربية بكافة أجناسها
من شعر ونثر وارتباطه بالاداب العالمية سواء في الادب الروسي او الادب العالمي في
اوروبا.
درس في
الستينات في الولايات المتحدة الامريكية،وعايش ثورة السود فيها كما درس في
السبعينات في الاتحاد السوفييتي كما انه كان عضوا في فرقة مسرح الخليج العربي،وقدم
له المخرج صقر الرشود مسرحيتين كما انه كان يشرف على مجلة الثقافة العالمية التي
يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب كما اشرف على مجلة البيان التي
تصدرها رابطة الادباء وقام بترجمة بعض الروايات الى العربية وبالتالي فان كتاباته
ليست عادية لان تركيبة ثقافته ليست عادية،وقد حصل قبل سنوات على جائزة الدولة
التقديرية.
نادرا ما
يتحدث الا للمقربين منه كما انه لا يحب الظهور الاعلامي،واني لافتخر في اني استطعت
ان احصل على لقاء يتيم معه رغم صداقتي معه التي تعود الى اكثر من ثلاثة عقود من
الزمن.
فيصل
العلي
غموض كتاباتي لا
يتعلق بميولٍ مُجرَّدة فالكتابة مرهونةٌ بنوعية موضوعها وما يناسبها من أسلوب
كتبت «عزيزة» في سبع سنوات لأنها اقتضت الكثير من الدراسات وتكييفها مع الأجواء الفنية «بيبان» لم تكن صراعاً بقدر ما كانت توقاً للتفهم وتعايشاً بين ذاتين مستقلتين تنتميان لثقافتين متباينتين الكاتب مسؤولٌ أمام خياراته فاما البحثُ عن أسباب الشاغل توافقاً والدوافع النبيلة أوالجموحُ لمطباتِ الإثارة حاوره فيصل العلي: الأديب سليمان الخليفي أحد أبرز الأدباء المعاصرين في الكويت حاليا، فهو مبدع متعدد الاتجاهات، يكتب الشعر، والقصة، والرواية، والمسرح، فضلاً عن قيامه بترجمة بعض الروايات، فضلاً عن اطلاعه على ثقافات عدة، خاصة في مجالي الرواية والمسرح، وقد عمل سكرتير تحرير لمجلة «الثقافة العالمية». »الوطن» أجرت حوارا ثرياً مع الخليفي، عن قضايا، وموضوعات أدبية مختلفة، استكشفنا من خلالها أراءه، بدأناه بمواجهة أديبنا بما يكتنف أسلوبه من غموض، فباح لنا بالسر، ثم تطرقنا معه إلى رواياته المتنوعة، بداية من «هدامة» التي حفلت باسقاطات على سلبيات المجتمع، مروراً بـ «عزيزة» التي كتبها بعد الاحتلال العراقي للكويت بسبع سنوات، وأخيرا رواية «بيبان» التي حملت أبعادا انسانية وثقافية عدة، وعرجنا خلالها إلى تجاربه في العمل في اصدارات أدبية وثقافية. وكان أبرز ما في الحوار، ماكشفه الخليفي عندما سألناه عن سبب النظرة الدونية لبعض العرب إلى الإبداع الخليجي، فرأى ان هذا راجع لنوع من النرجسية الإقليمية لدى هؤلاء، فضلا عن قصور من جانب مؤسساتنا الثقافية في توصيل النتاج الأدبي لمبدعي الديرة إلى المعنيين بالدراسات الأدبية بالدول الأخرى، ومع السطور التالية سنطالع المزيد من التفاصيل.. < أنت غامض في كتاباتك بينما يقدم الكثير من الكتاب ما لديهم بوضوح..فالى أي مدى تراه مهما لتحقيق التواصل مع القارئ؟ - لا يتعلق الأمرُ بميولٍ مُجرَّدة، لوضوحٍ أو غموض، قدرَ تعلقه بكيفية النظر، وأسبابها، فالكتابة مرهونةٌ، بنوعية موضوعها، وما يناسبها من أسلوب، وبما هو متطلبٌ، من دقةٍ أو توسّع، فلا يُصار إلى وصف البديع، من اهاب امرأة، بما يماثله من وصف لمزاجها، أو مرضها! وقد تكون الأمورُ الظاهرةً، مشتركة لدى الكثير من الكتّاب، غير ان تلكَ الخفية، تتميز في تجليها نسبياً، أمام الخبرة الفردية، نظرياً أو تأملاً! وبذلك تكون الكتابةُ في مواجهات شتَّى، فلا يتحقق الصدق الفني، دون التخير للشكل، نمط التعبير والاقتصاد، حينها يكون الأسلوبُ، وما قد يعتريه، من غموض أو وضوح، خاضعاً لمهمته، منسجما في موضوعه! حدثٌ موقوت < عمدت إلى كثير من الاسقاطات على سلبيات المجتمع من خلال مجموعتك «هدامة».. فهل استخدمتها كحدث أم دلالة؟ - «هدّامة» حدثٌ موقوت بزمنه، اللجوء اليه، اما لجوءٌ للظرف التاريخي، أو ما صاحبه من تداعيات، ولا شك في ان مثل ذلك الحدث تلاحم الطبيعي بالمدني، سيحمل في طياته أسبابا كثيرة للتفاصيل، الأجتماعية مثلاً، أو أسباباً للتأمل، وخاصة حينما تُستعار تلك الأحداث على شاكلة مضامين قصصية. < كيف هي علاقتك مع مسرح الخليج والمخرج صقر الرشود؟ - علاقة التلمذة والزمالة! متاعب صيف < كتبت مسرحية «متاعب صيف» التي أخرجها صقر الرشود لكنك توقفت عن الكتابة للمسرح..فما الأسباب؟ - ربما كان انقطاعي عن المسرح، جراء الدراسة سبباً، وان أثمرت تلك العلاقة «متاعب صيف» بداية السبعينيات، و«ذُرَى الأعماق» في الثمانينيات، ولعل انشغالي بالقصة، ومن بعدها الشعر، كان السبب الآخر، أما كتابي «صقر الرشود والمسرح في الكويت» فقد جاء إثر الحادث الأليم! < لك تجربة في الترجمة من خلال روايتين لأديبة هندية..فكيف جاء الاختيار؟ - حدث توجه جديد لدى المجلس الوطني، في الترجمة عن الآداب الشرقية، وبناء على تكليف منه، ولما كانت لي تجربة في ترجمة بعض القصص من الأدب الباكستاني، اخترت تلك الروايتين من الأدب الهندي، وهما روايتا «وجهان لحواء» و«هوائي» للأديبة «أمريتا بربتام» ترجمتهما عن الانجليزية، وقد سبق ذلك ترجمة لقصة أمريكية، ومجموعة قصص باكستانية. آلام الاحتلال < كتبت رواية «عزيزة» في سبع سنوات تقريبا في حين هناك من يكتب رواية في شهور..فما تعليقك؟ - بسبب كون الرواية تعاقبا للأحداث بأشكالٍ قصصية، أومواقف عارضة، وبما يتخللها من عملياتٍ للسرد، مشكلة لفصولها، وأجزاء الفصول، فيتحقق كل ذلك، بما تنصُّ عليه حواراتُ شخوصها، وما تمارسه من أفعال، تتنامى معها أدوارها، وبصور محسوبة، فقد كان تصوري لها، على أنها معمارٌ متنوع الوظائف، شديد التعقيد، فضلا عن كونه متطلباً، للكثير من المعارف، وبسبب من تلك النظرة، كانت هيبتي من كتابتها! وبوقوع الكارثة من مجرياتِ الاحتلال، وآلامها وآثامها، فقد أصبح لابد مما ليس منه بد ولما كان التطرق لموضوع «عزيزة» يقتضي الكثير من الدراسات وتكييفها مع الأجواء الفنية، اضافةً لموضوعها الأساس، فقد أخذت مني كل ذلك الوقت! تجربة غزيرة < أشرفت خلال عملك في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب على سلسلة الثقافة العالمية..فكيف كانت التجربة؟ - التجربة غزيرة، لتنوع الموضوعات الصادرة عن مراكز بحث علمية عالمية، وأصالتها وانفتاحها، على مختلف المناهج، فخلال شهري الاعداد، لصدور عدد جديد، كان التوافر على قراءة الترجمات، والرجوع إلى لغتها الأصلية، والافادة من المعجم العربي، وفي كل ذلك، انكشاف على جديد، ومتعة ذهنية! < ..وأشرفت على مجلة «البيان» التي تصدرها رابطة الأدباء بعد التحرير..فكيف هذه التجربة كذلك؟ - التجربة قصيرة، وبعد التحرير مباشرة ! كانت البداية من الصفر، لانعدام الأرشيف، وأسباب الاتصال، ما اضطرني لاصدارها بثلاثة أعداد كدورية، وقد احتوت على الكثير، مما يتصل ومجريات الاحتلال! الجنس والدين < الى أي مدى تؤثر الأحداث في حياة الأديب على كتاباته وطباعه؟ - برودة المواسم والبيئات مؤثرةٌ، وتُقننُ الأثرَ وسائلُ التقنية، وكذلك الأحداث، منها ما يتسلل للنفس، أو يخضعُ لوسائل العقل والخبرة، وأهم الأحداث، ما يشكلُ ذخيرةً، تمد هيكلَ الموضوعات بمقومات تصوغُ خارطتَهُ على نحوٍ واضح، فهي مُنطلقٌ، ومعابرُ، وأهداف، وهي التي تُصاغُ باللغة، كما يُصاغُ الجسدُ بالألبسةِ، لتنُمَّ عنه هيئتهُ الظاهرية. < وكيف تنظر الى الأدباء الذين يكتبون أدبا جنسيا بصورة متعمدة أو من يكتب محاولا خدش جدار الدين؟ - الجنس والدين، بما لهما من خواصٍ، حيويةٌ للأول، وروحانيةٌ للثاني هما الأكثر احتواءً، على عناصر الانفعال والارادة، وهما مجالان عريضان، بما ينتظمانه في حياة المجتمع من موضوعات، يتميزان أحياناً في ظروف خاصة، ليصبحا شاغلاً يستدعي النظر! ومع تنوع الكتابات، واختلاف وجهات النظر، تكمن المقاصد، والكاتب مسؤولٌ أمام خياراته، في طرائق البحث والبناء، التي تتموضعُ معها المقاصد، فاما البحثُ عن أسباب الشاغل، وتتبع مساراته وتحوله بامعان النظر توافقاً والدوافع النبيلة، أوالجموحُ الى مطباتِ الاثارة وتفاقماتها! المسلك الحضاري < في روايتك «بيبان» قدمت صراعا بين شخصيات عدة لبيئتين «أمريكية وكويتية»..فهل هذا الصراع مرتب بهذا التناقض بين البيئتين؟ - لم يكن صراعاً، بقدر ما كان توقاً للتفهم، وتعايشاً بين ذاتين مستقلتين، تنتميان إلى ثقافتين متبانيتين، وذلك فضلاً عن قناعاتٍ سياسية جاهزة، وفي دُوَّامة الستينات على ان المسار غالباً ما يفضي، إلى أصولٍ مشتركة، من طبيعة الانسان. < كيف تنظر إلى الحوار الذي دار بين الطالب الكويتي والأمريكي الأسود الذي يعمل في الجامعة إبان فترة ثورة السود في أمريكا، والأمر نفسه مع اليهودي في الطائرة؟ - بما ان الكتابة مسؤولية فكرية وذوقية، يكون الخارج على الضروري والنسق، والقاصر عن دواعيهما، مخلين بالمقاصد الأصلية، فالأولى تكشف عن ان التجربة أعمق من النظرية، مع أهميتها، أما الثانية، فتنص على ان المسلك الحضاري أكثر نبلا من السياسة. نرجسية إقليمية < برأيك لماذا تفوقت الرواية على الشعر وهو ديوان العرب؟ - ربما عاد ذلك لاقتصارِ تجربة القصيدة على مُشكلٍ مُحَدَّد، وذاتيِّ في الغالب، أو عدم تواؤم ثقافة القارئ لتجربة الشاعر التعبيرية وعالمياً، وربما عاد، لانسحاب غشاءِ الموسيقى، وما يتوكأُ عليه من ايقاعاتٍ، عن جسد القصيدة لدى الترجمة، لتفقدَ بذلك هيكلتها، وهما أُسُّ وجودها الأصيل، فلا يبقى غير المعاني المطروحة على قارعة الطريق - كما قال الجاحظ، وربما كانت الروايةُ، مِحْمَلاً ينوءُ بأعباءٍ انسانية، تشابهتْ ألوانها، على درجاتٍ من التفصيل، لتكشفَ عن تجارب البشر، عبر أزمنتها والأمكنة، وما تنطوي عليه أحياناَ من عجائبية في حياة المجتمعات، وبين مختلف الشعوب، لتُصبحَ بذلك الكتابَ الذي يتخلل الترجمة! < لماذا ينظر بعض العرب إلى الابداع الخليجي بنوع من الدونية؟ - ربما عاد ذلك إلى نرجسية إقليمية، خصوصاً ان بعض العرب، يعيش بين ظهرانينا، فضلا عن تعدد معارض الكتاب، كما يضاف إلى ذلك، قصور من جانب مؤسساتنا الثقافية، في توصيل هذا النتاج، للمعنيين في الدراسات الأدبية للدول الأخرى. |