Monday 9 January 2017

تمثال العنكبوت الأم في كندا



تمثال العنكبوت الأم




بكلفة أكثر من ثلاثة ملايين دولار
تمثال العنكبوت الأم رمز سياحي وثقافي في كندا

النحاتة الفرنسية " لويز بروجواه" انغمست في السريالية والتعبيرية والتجريدية وتعصبت لقضايا المرأة باستخدام الجسد وتقديمه للاخر بقوة

فيصل العلي
 منذ أن تم افتتاح تمثال العنكبوت الأم في العاصمة الكندية أصبح رمزا ثقافيا وفنيا وسياحيا مهما يضاف إلى عناصر السياحة الثقافية في كندا حيث لوحظ كثرة تردد الجمهور والسياح على زيارة هذه العنكبوت العملاقة والتقاط صور لتمثال عملاق أمام مبنى متحف الفنون "ناشيونال آرت جاليري".
وقد ازداد معدل السياحة إلى العاصمة السياسية لكندا بمعدل يصل إلى مليون سائح سنويا من داخل كندا ومن خارجها خاصة من الولايات المتحدة واليابان وبعض الدول الأوروبية وغيرها من بقية دول العالم.
ولعله من الصدف الجميلة ان يكون مقابل هذا التمثال مبنى السفارة الكويتية في العاصمة الكندية أوتاوا المطل على شارع "ساسيكس".
وقد صممت ونفذت هذا التمثال النحاتة الفرنسية " لويز بروجواه" التي عاشت في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن توفيت في عام 2010م.
ويعتبر هذا التمثال هو آخر أعمالها الإبداعية وهو تمثال ضخم يصل ارتفاعه إلى ثلاثين قدما وبعض أجزائه يصل إلى ثلاثة وثلاثين قدما وقد أطلقت عليه الفنانة بروجواه لقب "مامان" وهي تعني "أم العنكبوت".
ويضم تمثال العنكبوت الأم في بطنها ست وعشرين بيضة أضاف جمالا فنيا أخاذا وقف عندها الكثير من الناس  وهم ينظرون إلى التمثال بإعجاب كبير.
والتمثال مصنوع من البرونز وقد بدأت الفنانة بروجواه بتنفيذه في عام 1999م واستغرق العمل في هذا التمثال ست سنوات وقد وصلت كلفة تنفيذ هذا التمثال ثلاثة ملايين ومائتي ألف دولارا كنديا.
وعلقت الفنانة بروجواه على عملها الإبداعي بعد افتتاحه وعرضه في كندا قائلة:
اعتبرها صديقتي المفضلة كما أنني أحب خيوط العنكبوت وهي مخلوقة ذكية جدا وهي ليست مثل البق الذي يقوم بمص الدماء بل بالعكس فان العنكبوت لا تسبب أي مرض يذكر للإنسان أو للبيئة.
إن المتابع لتفاصيل حياة الفنانة بروجواه يستشف أن أحداث حياتها كانت دائما العامل الرئيس المؤثر في أعمالها كما أن استحواذ شخصية والدتها التي كانت تعشق الفن خاصة الغزل على حياتها دفعها لتكون الأمومة حاضرة في أعمالها بصورة رئيسة حيث أن والدتها كانت تنسج الغزل كالعنكبوت وكانت تشاهد ذلك وانطبع منذ طفولتها وظل مكبوتا في عقلها الباطن إلى أن أخرجته عملا فنيا رائعا يرمز للأمومة المعطاءة كما يرمز إلى افتقادها لوالدتها.
ويأتي هذا العمل الإبداعي معلنا عن نفسه انه ابرز منحوتاتها رغم تميز بقية أعمالها إلا أن هذا العمل الفني جاء بعد نضج وخبرة إلا انه لا يمكن تجاهل تلك الفنانة التشكيلية التي جعلت النحت رمزا لتميزها فهي منذ بدايتها لم تكن نحاتة عادية بل كانت مميزة ومؤثرة في المتلقي بصورة كبيرة فكان لزاما التطرق لنبذة عن حياتها واثر البيئة على إبداعاتها.
ولدت في 25 ديسمبر من عام 1911م وكان والدها يمتلك محلا للنسيج ووالدتها تحب أعمال النسيج وقد درست الرياضيات في جامعة السوربون العريقة.
والغريب أن أمها كانت تحثها على دراسة الفن التشكيلي لأنها اكتشفت تميز ابنتها بينما هي مصرة على دراسة الرياضيات والهندسة في الوقت الذي كان والدها يؤيدها ويرى أن الفن وظيفة تؤدي للفشل في الحياة لكنها درست الفن بعد ذلك في أكاديمية "دي لا غراندي" لصقل موهبتها.
وانتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن تزوجت في عام 1938م من الفنان الأمريكي "روبرت غولدووتر" أستاذ الفنون في جامعة نيويورك للفنون الجميلة وهناك انضمت إلى مجموعة الفنانين الأمريكيين في عام 1954م فلمست تطورا ونضجا فنيا كبيرين خاصة أنها جمعت بشكل تلقائي بين ثقافتين كل تمتاز بخصوصيتها كما أنها حصلت على حضور فني وإعلامي متميزين عندما عرضت أكثر من 200 عملا فنيا في مركز "بومبيدو" الثقافي حيث استطاعت المزج بين الثقافتين عبر سلسلة من إبداعاتها المتدفقة بالخطوط العريضة لنظرتها وفلسفتها تجاه الحياة والتي كانت المرأة هي العنصر الأساسي  وقد انشغلت طوال فترة إبداعاتها في عالم الأنثى الذي تشعر فيه وتعرفه جيدا من حيث الآمال والآلام والذي يجهله الكثير ولقد عبرت عنها بقناعة فنانة تدرك أبعاد أنوثتها لتقدم خلطة فنية عبر اجترار أعمال نحتية كبيرة على مدى عقود من الزمن وهذا ما دفع بالبعض إلى اعتبار أن هذا تعصبا منها لبنات جنسها إلا أن البعض رأى أن ذلك شجاعة تمتلكها فهي عندما تقدم الجسد إنما تقدم ما يحمله من انفعالات ووجود كما أنها كانت ترفض تصنيف ما تقدم على انه "فن نسوي" مؤكدة ان اعمالها انسانية تخاطب الجميع  وان كانت تعترف انها كانت تضع تجاربها السابقة في الحياة في اعماله النحتية.
وكغيرها من النحاتين فقد انغمست في المدرسة السريالية والتعبيرية التجريدية ولها علاقة بالمنمنات ولا تخلو اعمالها من الهندسة ولكن بصورة تجريدية الامر الذي يعكس اثر دراستها على الفن الذي تقدمه كما انها استخدمت الخشب في الكثير من اعمالها النحتية حيث ان عملية الحفر على الخشب احد سماتها التي ميزتها في الكثير من اعمالها واستخدمت الرخام والبرونز في منحوتات كثيرة لكنها استخدمت القماش في الكثير من اعمالها ولعل طفولتها واثر والدتها على شخصيتها وانوثتها السبب الوجيه في تمسكها بالحضور للقماش في بعض اعمالها.

ومن ميزاتها انها بقيت صريحة وقوية فيما تقدم من اعمال فنية كما انها تناولت جمال جسد المرأة الذي كان مصدر الهام لها في الكثير من اعمالها الفنية لسنوات طويلة حيث تناولت مواضيع عدة تنطلق من الانوثة والعائلة والجنس والوحدة والشباب والتفاعل مع الحياة والطبيعة.
وبعد وفاة زوجها بقيت تعيش في شبه عزلة رغم انها تعيش في ولاية كبيرة مزعجة هي نيويورك وقد عبرت عن ذلك بقولها امضيت شهورا بلا نوم بعد  وفاة زوجي وانتهيت الى قرار قتل صورة الوالد في ذاكرتي عبر هذا التمثال لافصل الاثنين عن بعضهما البعض فقمت بعمل تمثال تدمير الاب فكان خلاصا من حقبة عاشتها ومن بقايا معاناة عاشتها مع افراد اسرتها بسبب سلوك والدها.
وبصورة ما فان عزلتها انعكست في اعمالها حيث الغموض احيانا وحيث الوضوح والصراخ في احيانا اخرى حيث التناقض والمشاعر التي لا يمكن تجاهلها لذا فانك تستطيع ان تعرف شخصيتها من اعمالها لانها انعكاس ومرآة لروحها فبمجرد ان تتابع مجمل اعمالها فانك ترى طبيعتها وطبيعة حياتها الخاصة واثر طفولتها ومراهقتها وشبابها وشيخوختها بشكل واضح فاستحقت لقب نحاتة العصر بجدارة.







تمثال العنكبوت الأم

تمثال العنكبوت الأم





0 comments: