الباحث
الكويتي عبدالله عيسى:
أدهشت
الجزائريين والمغاربة ببحثين في موروثاتهما
حاوره فيصل العلي:
تمتلك الكويت مواهب شابة في العديد من
المجالات، منها عبدالله عيسى الذي تخرج الأول على دفعته في قسم اللغة العربية
بكلية الاداب جامعة الكويت، وهو يستعد لاكمال دراسته للحصول على الماجستير، ثم
الدكتوراه قريبا، الا أنه بدأ في البحث والمشاركة في بعض المؤتمرات الأدبية في
الجزائر، وبعدها بالمغرب، اذ قدم بحثين في تراثيهما العريقين، ورغم حداثة سنه فقد
قدم بحثا متماسكا مبنيا على منهجية حديثة الامر الذي جعله محل احترام وتقدير من
قبل الكثير من الأدباء والمفكرين خاصة الجزائر والمغرب.
ويمتلك عيسى مواهب أخرى، فهو الى جانب
أنه باحث أدبي، هو كذلك شاعر يكتب الشعر الفصيح، اضافة الى أنه يكتب الزهيريات،
كما أنه عاشق للفنون البحرية، وملم لتاريخها التليد بالخليج، ويجيدها، وفي هذا الحوار
مع «الثقافة العربية» باح بأسرار أنواع الفنون الشعبية، وخصوصيتها، وتحدث عن
مواهبه، ونشاطاته، وأمور أخرى ذكرها في السطور التالية..
< ما أول بحث قدمته؟
– بعد تخرجي في جامعة الكويت في العام
2010، الاول على دفعتي بقسم اللغة العربية كلية الاداب، ظللت اتواصل مع اساتذتي
الذين تتلمذت على يديهم، وفي مقدمتهم أستاذ تاريخ جزائري، اسمه الدكتور ناصر الدين
سعيدوني، الذي لم يحصل على حقه في الكويت، خاصة أنه أستاذ كبير قام بالتدريس في
جامعات فرنسية، وألمانية، وأمريكية، وقد تسلم دعوة لحضور تظاهرة «تلمسان» كعاصمة
للثقافة الاسلامية في الجزائر، ولأن ظروفه لم تكن تسمح له بالسفر اقترح على ان
أذهب بدلا منه، وترشيحه كان فخرا لي، لكنه في الوقت نفسه مسؤولية كبرى.
< ولماذا وقع اختياره عليك؟
– لأنني لم أكن اكتفي بالنهل مما عنده
من علم في المحاضرات، بل كنت كثيرا ما أذهب اليه في مكتبه، واسأله عن الكثير من
القضايا الفكرية والثقافية، كما أنه درسني التاريخ الحديث، وكلما كتبت قصيدة
اسمعته اياها، وتدور بيننا الكثير من النقاشات الفكرية في شتى مواضيع الثقافة،
وربما تلك النقاشات هي التي جعلته يرشحني لتلك المهمة، خاصة أنه يعلم أنني سبق ان
عملت بعض البحوث مع الدكتور سعد مصلوح أستاذ علم اللغة، ورفضت الفكرة في بادئ
الأمر لأنني كنت أرى أنني ما زلت صغيرا، خاصة ان المشاركين كلهم يحملون الدكتوراه،
أو الماجستير على الأقل، وكنت الخليجي الوحيد الذي حضر، بل انني كنت أصغر مشارك في
تلك التظاهرة الثقافية الا ان الدكتور سعيدوني شجعني على المشاركة، وبقدر ما كنت
قلقا في يوم مشاركتي أمام الجمهور، كنت أجد أنها الفرصة لي كي انطلق في تظاهرة
ثقافية خاصة أنني أعددت بحثا متميزا.
الشعر الملحون
< وما موضوع بحثك؟
– وقع اختياري على قصيدة من الشعر
الملحن المكتوب في المغرب العربي، وجاء الاختيار بالتنسيق مع الدكتور سعد مصلوح
الذي يقوم بتدريس علم اللغة في جامعة الكويت، بسبب ما له من علم عميق متميز في هذا
الباب، خاصة أنه صاحب أول بحث في استنطاق النصوص وهو المنهج الذي اعتمدته.
< حدثنا عن علم اللغة.
– علم اللغة هو العلم الحديث في دراسة
اللغة بجميع المحاور ولجميع اللغات ومن أشهر علمائه «ديسوسير» وغيره، ويندرج تحته
عدة فروع، منها على سبيل المثال علم اللغة التاريخي، الذي يقوم بعمل مقارنة بين
أصول الوحدة في اللغة العربية، فيكون البحث منصبا على تطور اللغة، ومفرداتها،
وتركيباتها.
< وما عنوان بحثك؟
– «النص الملحون في مقدمة ابن خلدون»
حيث يورد ابن خلدون للهلاليين بعض النصوص التي كتبت بلهجة عامية وليست بالفصحى،
وبها اجتهادات تعتمد على منهجية اللهجات الحالية وتصل الى عملية استنطاق النصوص.
< وما استنطاق النصوص؟
– هي عملية قراءة لنص ما بحيث ينطق
كما كان ينطق في الفترة التي ولد بها، والنص بقدر ما يعطيك عبر اجراءات معينة،
معتمدا على البناء العروضي للنص، فقد تضطر للتدخل في بعض التراكيب الفصيحة فكلمة
«كتاب» مثلا تقول عنها «اكتاب» بتسكين الكاف والباء الأمر الذي يمنحك احساساً
بالتغير بصورة ما، ويرجع الفضل فيها الى الدكتور سعد مصلوح الذي قام بأولى
المحاولات في هذا المنهج، ونحن نسير على خطاه.
< وكم استغرق بحثك من الوقت؟
– شهر كامل من العمل المضني، وقرأته
خلال المؤتمر في ربع الساعة فقط.
< وكيف كانت ردة الفعل؟
– بالطبع في البداية كانوا يستغربون
كوني صغير السن، وبعضهم يقول «هذا الخليجي» الصغير السن حديث التخرج قادم من
الكويت، ويقدم في الجزائر بحثا عن تراث الجزائر، الامر الذي أثارهم، لكنهم عندما
استمعوا الى البحث، وعرفوا المنهجية الحديثة في التطرق للبحث، ثارت لديهم الدهشة،
بل كانت مفاجأة لهم، خاصة أنني أتعامل مع نص قديم يعود الى القرن الرابع عشر،
فأعجبوا كثيرا بالبحث، ودارت بعده مناقشات عبر أكثر من معقب من الجزائريين،
وغيرهم، ويثبت كيفية نطق الحروف علمياً في زمن لم تتوافر فيه اجهزة التسجيل
الصوتي، وبشكل عام كانت ردة الفعل ايجابية حيث كانت هناك تغطية اعلامية جيدة في
الاعلام الجزائري، وأجريت معي بعض اللقاءات الاذاعية والصحافية، وتمت التوصية
بطباعة البحث، ولما عدت للكويت كان الدكتوران سعيدوني ومصلوح قد عرفا بالأمر
وأبدوا سعادتهما بي.
إعجاب المغاربة
< وماذا عن بحثك الآخر؟
– تلقيت دعوة من المجلس الوطني
للثقافة والفنون والآداب للمشاركة ببحث في مهرجان «أصيلة» في المملكة المغربية حيث
كانت الكويت ضيف الشرف للمهرجان، فآثرت اتباع نفس المنهج في البحث، وتقديمه بنفس
الطريقة التي قدمتها في الجزائر، وكنت أنوي الكتابة في موضوع آخر، بيد ان القائمين
على التنظيم فضلوا كتابة البحث في نفس الموضوع، ولكن المواد غير متوافرة، وكي اكتب
بحثا عن استنطاق النصوص أجد ندرة أو انعدام المصادر خاصة في مجال الشعر المغربي
الملحون، وفي الكويت ليس لدينا مصادر كثيرة في هذا المجال، فرحت أبحث في المكتبات
بل ان أستاذي الدكتور سعدوني ذهب معي الى مكتبة «جابر الاحمد» بجامعة الكويت، وراح
يبحث معي عن مراجع في تواضع العلماء، فوجدت نصا شاردا له ميزة تاريخية كتبه
«الشريف على ولد ارزين» وهو شاعر مغربي في فترة الحملة الفرنسية على مصر، يثبت ان
المغاربة شاركوا في الثورة المصرية ضد الفرنسيين، فكان البحث بعنوان «استنطاق النص
الملحون في الماصرية للشريف على ولد دارزين»، وحضر الندوة لفيف من الأدباء،
والاكاديميين، والاعلاميين، من بينهم المهندس على اليوحة الأمين العام للمجلس
الوطني للثقافة والفنون والآداب، والدكتور عباس الحداد، وهدى الدخيل.
< وكيف كانت ردة الفعل لذلك أيضا؟
– استغربوا أيضا من مشاركتي ببحث عن
موروثهم الثقافي بسبب صغر سني الا أنني كنت اكثر ثقة بنفسي، وبالبحث الذي أقدمه،
خاصة أنه يتبع منهجا حديثا في التعامل مع النصوص، فلمست الاعجاب من المغاربة،
والكويتيين، بل اليوحة مازحني بعد انتهائي من البحث، وقال: «ما انت هين يا
الصغير»، وعبر اكثر من باحث واكاديمي مغربي في تعقيباتهم عن اعجابهم بالبحث، خاصة
أنه يتناول نصا مغربيا قديما كتب قبل 200 سنة، وقد كانت هناك تغطية اعلامية واسعة،
وتلقيت دعوة لزيارة «المركب الثقافي في مكناس» والتقيت رئيسه الدكتور محمد
الادريسي.
< وهل ستكمل دراستك العليا؟
– أنا معيد، وعضو بعثة جامعة الكويت،
الى جامعة «أدنبرة» في اسكتلندا، حيث انني أدرس الأدب الأندلسي للحصول على
الماجستير، ثم الدكتوراه ان شاء الله.
< وماذا عن رابطة الأدباء؟
– انضممت لها في العام 2006م وكانت
البداية عندما حضرت محاضرة عن المعتمد بن العباد وشاركت بمداخلة، بعدها رحت أتردد
على رابطة الأدباء في الكويت، واقترح علي الشاعر الكبير علي السبتي، والأديب
سليمان الحزامي ان انضم للرابطة، خاصة أنني أكتب الشعر الفصيح العمودي، كما أجيد
كتابة «الزهيريات».
0 comments:
Post a Comment